الرئيسية / عطل أم تعطيل على أبواب العطلة؟

عطل أم تعطيل على أبواب العطلة؟

22 جوان 2012
أفضل طريقة للاحتفال بخمسينية الاستقلال

بعد شهر ونصف من الانتخابات التشريعية وعلى بعد أسبوعين من الاحتفال بخمسينية الاستقلال ما تزال الحكومة عاطلة والمؤسسات معطلة والعطلة على الأبواب.

حكومة عاطلة بحكم ضعف تركيبتها وهشاشة القوى الحزبية التي تشكلها حول برنامج ليس برنامجها وإنما تسميه برنامج فخامة الرئيس وتتبارى في تلفيق الأوصاف لنفسها في دعمه ومدح إنجازاتها فيه. وعاطلة بحكم ضعفها في الممارسة و لكنها أيضا عاطلة الآن عن العمل بسبب عدم انضباط أعضائها الذين دخلوا السباق الانتخابي في صفوف مبعثرة إن لم تكون متعارضة ومتضادة تماما بعد عشرة دامت أكثر من خمس عشرة سنة في الائتلاف والتحالف والاحتلاب. وعاطلة أيضا بحكم أخطائها في التقدير بشأن المسار الذي فرضته تحت عنوان الإصلاحات وفشلت فيه، ثم فشلت في تسيير الفشل عند ظهور عزوف الناس عن الانتخابات، كما فشلت في تسيير النجاح و(الفوز) الساحق في الانتخابات التي نجحت في إقناع العالم كله بنزاهتها لكنا فشلت في إقناع نفسها بذلك وفرضه على الأطراف الشريكة في الحكومة أو في الحكم..
والمؤسسات معطلة لسبب بسيط وهي أنها مجرد غطاء لمن يحكم باسمها. لم تعد تعبر عن وجود مؤسسات جمهورية تتجسد من خلالها إرادة المواطن صاحب السيادة في الجمهورية بل هي مجرد امتدادات دستورية لقوى تمارس السلطة من خارج الدستور. ليست المؤسسة كيانا قائما بوظيفة في نظام دستوري بل هي هياكل مطابقة للدستور والقوانين والتنظيمات السارية تتجلى فيها سلطة قوى لها نفوذ وقادرة على تسيير تلك الهياكل لمصلحتها مخالفة الدستور والقانون والتنظيمات المعمول بها ودون ان تتعرض للمساءلة. فالمؤسسات معطلة بداءة لأنها تجليات شكلية لقوى فعلية.
لكن هذه المؤسسات المعطلة بحكم طبيتعها هذه جرى تعطيلها منذ بداية السباق نحو الرئاسيات الذي جرى باسم الانتخابات التشريعية وها هي النتيجة: القوى التي كانت قادرة على التفاهم والحوار وهي تتقاسم السلطة خلال 15 سنة لم تعد تتفق على شيء خلال الفترة الحالية التي تدور أساسا حول مرحلة ما بعد 2014. هذا هو الخلاف الجوهري في رأيي خلافا للرأي الشائع من أن هناك اتفاقا مبيتا على كل شيء.

يبين ذلك – في رأيي أيضا أن قوى غير منضبطة دخلت في المعمعة وأفسدت اللعبة التي كانت تسير بشكل إجماعي عموما. فالاختلاف بين الأطراف الفاعلة عطل مؤسسات الجمهورية المشلولة أصلا بحكم المهام التي أوكلت لها وهي تسيير مصالح القوى السياسية الفاعلة خارج إطار الدسور. ينطبق ذلك على كل المؤسسات المنصوص عليها في نص الدستور: البرلمان والحكومة والأحزاب والإدارات والمصالح المختلفة. لم تعد اجهزة تؤدي وظائف منصوصا عليها في الدستور بل هي امتدادات لقوى فعلية لا ينص عليها الدستور تعمل من خلال هذه الأجهزة: فالبرلمان لا يمثل أصوات المواطنين بل يمثل القوى المالية وقوى الفساد المالي والإداري والسياسي القائم على إقصاء المواطنين أصلا من اللعبة السياسية. والحزب لم يعد يمثل تجمع مواطنين يحملون مشروعا سياسيا بل تجمع مصالح وعلاقات عشائرية وعائلية وتبعيات من أشكال لا يقبلها الدستور ولا القوانين. والحكومة لا تمثل إرادة أغلبية نابعة من إرادة الناخب المعبر عنها في برلمان منتخب بل ناتجة عن توازنات في السلطة. والإدارات والمصالح لم تعد أجهزة لتنفيذ سياسة علنية لحكومة شرعية في إطار التنظيمات والقوانين المعمول بها لصالح المواطنين بل أصبحت اذرعا أخطبوطية لقوى خفية تسير ولا تحاسب عن تسييرها.
تأملوا هذا الوضع:
بعد انتخابات تشريعية شهد العالم كله بنزاهتها تفشل الأغلبية الفائزة في تشكيل هيئات البرلمان وتفشل الأحزاب في تنظيم اجتماع لمناضليها وتفشل في تحقيق إجماع بين أعضائها ومسؤوليها على تسيير فوزها أو فشلها. تفشل السلطة في تشكل حكومة جديدة كما “تفشل” الحكومة القديمة في الاستقالة رغم اعتراف وزيرها الأول علنا بالفشل الجماعي وبأن المال الفاسد أصبح في قمة الحكم وبأنه يزعج داخل النظام وخارجه لأنه رفض الصفقات التي اقترحت عليه. هل هناك من يمكنه ان يزيد حرفا واحدا مزايدة على الوزير الأول؟ لنعترف للرجل بالقدرة على التعبير عن الوضع بقوة لا يمتلكها غيره.

خلاصة
7 وزارات تسير بلا وزراء. أحزاب غير قادرة على تنظيم اجتماعاتها. برلمان منتخب لم يفلح في تشكيل لجانه وهيئاته ولا في إعداد النصوص لنفسه فكيف بالنصوص اللازمة للدولة والمجتمع. حكومة فاشلة فشلت حتى في الاستقالة. سلطة عاجزة عن تشكيل حكومة جديدة. المال الفاسد في الحكم. الصفقات العلنية والسرية جارية.

أفضل طريقة للاحتفال بخمسينية الاستقلال إذن هي عزل بقية الوزراء في حكومة الفساد والفشل المعلن وترك أمر الدولة في يد الشعب. علي الأقل يستقيم عمل المؤسسات وتقف الجزائر على قدميها. وليذهب كل إلى عطلته.