الرئيسية / اكاديميا / النص الصوفي : أية قراءة اليوم؟ -ندوة شفيقة وعيل

النص الصوفي : أية قراءة اليوم؟ -ندوة شفيقة وعيل

أ/ حسين بوسوفة


استضاف المنتدى الثقافي الجزائري يوم السبت 10 أفريل 2021 الدكتورة شفيقة وعيل من أجل أن تقاسم المنتدى تجربتها المميزة، ولقدافتتح الندوة الدكتور عبد الله العشي الذي أشار إلى التصوف، ووصفه بالمنطقة المليئة بالتحولات والتساؤلات، حيث حير القراء قديما ولا يزال يحريهم حديثا، ومن بين ما تساءلوا عنه: ما هوية هذا النص؟ ما طبيعته؟ كيف نشأ؟ ماذا يريد هذا النص؟ كيف يقرأ؟ وماهي علاقته بالدين والأخلاق والجمال؟
رأى الدكتور العشي أنه من أجل قراءة النص الصوفي لابد من البحث عن هويته وتحديدها تحديدا سليما، ومن ثم أشار إلى العنوان الذي اختارته الدكتورة وعيل والمتمثل في: (النص الصوفي، أية قراءة اليوم؟) وتساءل عن أي مضمون يمثله هذا اليوم، وأي يوم نقصده؟ ومن ثم امتدح الدكتورة واعترف بأنها أهل لكي تجيب عن كل هذه التساؤلات، وأما سيرتها الذاتية فهي ثرية جدا، فهي باحثة في التراث الفكري والأدبي العربي والإسلامي، متحصلة على ليسانس وماجستير في الدراسات الإسلامية في الجزائر، وعلى دكتوراه في اللغة العربية وآدابها من الجامعة الأمريكية في بيروت، إضافة إلى أنها تحضر للدكتوراه في الدراسات القرآنية، ومنشغلة بمراجعة المفاهيم التراثية، وتسعى لتجريب قرائي يعيد توليد المعرفة برؤى أكثر تجريبا بالتراث، وأكثر اقترابا من الأبعاد الأنطولوجية للتجارب، كما تحاول الدكتورة جعل الشعر تجربة فكرية وهذا من أجل إزالة الهواجس بين التجربة الشعرية والممارسة الفكرية.

للأستاذة عدد من المقالات في موضوعات عديدة مثل الجمهور وسلطانه في الفكر الإسلامي الراهن، إنسان أنطولوجي يقرأ بين الكونية والكائنية، من أخلاق العناية إلى أخلاق الرعاية ، صناعة الجمهور في التراث الإسلامي، المعجم الصوفي و إشكالية المنهج، واقع اللغة العربية، وكما لها كتب تحت الطبع أبرزها كتاب:الذي رأى –قراءة في مفهوم الشعر عند النفري،وكتاب: صناعة الجمهور، كما حضرت عددا كبيرا من المؤتمرات والندوات العلمية، ولها دواوين شعرية مثل دواوين:يقطف الصدى، يشي به الظل، تقول كأنك وأنت إنك، وتجيد مجموعة من اللغات كالعربية والفرنسية والانجليزية.

د. شفيقة وعيل

وبعد هذا التقديم قدم العشي الكلمة للدكتورة شفيقة وعيل التي عبّرت عن سعادتها بتواجدها في هذا الركح العلمي، ومن ثم أشارت إلى العنوان الذي وضعته وهو النص الصوفي أية قراءة اليوم ، حيث قالت بأن هذا التركيب شائك وملغم لأن فيه الكثير من التساؤلات، وقبل البداية قالت بأنها ستضع مخططا لتسير فيه، وبأنها لابد من أن تطرح بعض الإشكالاتالمتعلقة بالنص الصوفي، ومن بين ما طرحته: أي نص يمكن أن نتحدث عنه؟ ، باعتبار أن النص الصوفي يحمل تجارب مختلفة، فالصوفية تجربة متفتحة ومتميزة، كما رأت أنه حين نتحدث عن النص الصوفي لابد أن نتساءل : ما معنى النص الصوفي؟ هل النص الصوفي هو النص الذي يكتبه صوفي شهد منه أنه يتولى قضايا التصوف؟ وسميت هذه التجربة بالتجربة الروحية المتعالية، أم أننا نتعامل مع نص صوفي بمعنى نص ذي لغة صوفية ولا يهم صاحبه؟، ففي هذه الحالة قالت بأننا سنتعامل مع نص يبدو أنه ذو منحى أدبي أكثر ولا يعنينا إن كانت تجربة روحية أم لا؟ كونه لم يصرح بذلك، رأت أن الحكم عليه هنا صعب جدا، لأنه سيعتبر تفتيشا للنوايا.
أما عن حديثها اليوم وتعاملها فهو سينصب حول النص الصوفي بصفته نصا يحمل ملمحا روحيا دينيا في تجربة متعالية، وبالتالي ستحصر نفسها في نص صوفي تراثي،ومن هنا تساءلت ما الذي نريده من قراءة نص صوفي مثل هذا، ولمن نقرأه، وأي خبرة سنستخدم في قراءة هذا النص؟ .
ترى الدكتورة أن كل المدارس القرائية وجدت لنفسها مكانا، كون التجربة الصوفية تعايش كل مناحي الحياة، وأما قراءتها، فهي تنصب حول النص الصوفي بوصفه ظاهرة أنطولوجية، وبوصفه محاولة لفهم الوجود، وأضافت أن النقد الأنطولوجي هو ما ستركز عليه في طرحها.
أعادت وعيل فكرة الأستاذ العشي التي طرحها في التقديم بخصوص الصوفية، وقالت بأنها ستتطرق إلى الرؤية التي أفادتها في فهم وقراءة الصوفية، كما أقرت بأن النص الصوفي هو نص متعدد ومتجدد، وأن هذا النص الصوفي له أنواع كثيرة، كما قال عنه (نوي غاردات)، فالنصوص الصوفية إما هي نصوص تصف التجربة الوجودية ، وتكون غالبا بمثابة أخبار حول الصوفية وكتبهم وحكاياتهم، وهذه النصوص ليس فيها إعمال فكر بل هي إعمال وجد وروح، وأما النوع الآخر فهي تلك النصوص الرمزية المثقلة بالمصطلحات الصوفية مثل الرؤية الغنوصية، وأما النوع الثالث فهي نصوص فيها الأدعية والمناجايات، وأما النوع الرابع فهو نصوص ذات صبغة تعليمية، وكما أشارت إلى وجود نصوص أخرى مثل السرد الصوفي.
رأت الدكتورة أنه من الضروري أن نهتم بالطبيعة الأنطولوجية للتجربة الصوفية، وقالت إنها بالنسبة للمتلقي ذات طبيعة لغوية، لكن بالنسبة لصاحب التجربة هي طبيعة ذات بعد أنطولوجي متعال، كما نوهت الدكتورة إلى جواز التساؤل هل هذه التجربة حقيقة أم مجاز؟ وردت على هذا بأن هناك صوفية عبروا بصراحة على أن هذه التجربة هي مجاز وقصدت بهذا التجربة الكتابية، وهناك من اعتبرها تجربة كتابية حقيقية عن تجربة صوفية حقيقية، فابن العربي مثلا صرح أن تجربته هي مجاز،وسمى تجربته بالبرزخ، حيث تتحقق في كتاباته كل الممكنات التي حدثت والتي لم تحدث، والمتفتحة على الخيال، و سمى عالمه بعالم كأنك، واستشهدت بما قاله بأن المصلي الذي يقف للقبلة كأنه يرى الله، وأما النفري فيقر بأن تجربته هي حقيقة وهو الذي قال : (أقول كأنك وأنت إنّك) وهذا العنوان اقتبسته لديوانها، وهكذا اعتبرت أن النصوص الصوفية فيها الكثير من الأفخاخ ولهذا فهي حين تتعامل مع النصوص الرمزية لابد أن تتوخى الحذر بين الحقيقية والمجاز في التجربة، وبين الحقيقة والمجاز في الكتابة عن التجربة.


اعترفت الدكتورة شفيقة وعيل أنها دائما تحاول أن تتعامل مع النص الصوفي كنص أنطولوجي وكظاهرة أنطولوجية من حقها أن يُتعامل معها بمظاهرها الأنطولوجية، وكما قالت أننا لابد من البحث عن مكامن هذه التجربة من فهم الوجود، ورؤية الوجود، طريقة النظر إلى الوجود، وأضافت بأنه لابد علينا من البحث عماذا يوجد داخل الأنطولوجي من مكابدات.
أكّدت الدكتورة أن أغلب الباحثين في المسار الأنطولوجي للنص الصوفي الحديث، يتعاملون مع النص الصوفي كتجربة حقيقية لأن الصوفي يقر بأنها حقيقة، لكن في بعض الأحيان هناك من يرون أنها حقيقة بلغة مجازية وهذا أمر يربكنا، (فماسينيون،وكوربان) وغيرهم يتعاملون مع النصوص إما فيلولوجيا باعتبارها مجازا، أو يعتبرنها نصوصا حقيقية بلغة مجازية.
أشارت الدكتورة كذلك إلى الناقد فضل الرحمان الذي يصف النص الصوفي على أنه ظاهرة بلاغية جمالية تحاول تجميل التجربة، ويقصد هنا أن اللغة المستعملة هي مجرد مجاز وليست حقيقة، كما أنها أشارت إلى بعض النقاد الذين حاكموا النص الصوفي وصاحبه ، وهناك من تعمد إغفال النصوص، وهي نصوص كثيرة حسبها، كما أشارت إلى من اعتبر النصوص مجازا قابلالأن نرأف به، إضافة إلى وجود بعض المحاولات التي أرادت أن تبرر النص الصوفي، باعتبار أن صاحبه قد خرج عن المألوف حتى سموا الأعمال بتأويل الشطح، والمقصود بهذا خروج الكتّابعن الجاد وعن المنطق للتعبير عن شيء متعال، وفي المقابل هناك من أول النصتأويلا جميلا حيث راح يتحدث عن القصد مستخدما عبارة (لم يقصد بل قصد) وهذا من أجل الدفاع عن النص الصوفي في مواجهته للنص الرسمي.
كما تحدثت الدكتورة عن القراءات المعاصرة اليوم، وقالت أن هناك نوعا من الاهتمام الشديد والإنتاج الثري في الحقل الصوفي، حيث هناك الكثير من الإبداع، لكن هذا الإبداع فيه الكثير من المآخذ حسبها مثل قراءة التجربة الصوفية وفق مصطلحات وقوالب معينة، لا تساير التجربة ذاتها، بل هي قراءة تجربة بأدوات قراءة تجربة أخرى، أو هي قراءة معرفة بلغة معرفة أخرى، وعاتبت هذه الظاهرة بالقول إن التجربة الصوفية هي بنت ذاتها وبنت لحظتها المتجددة، واعتبرت أن تجربة النفري مثلا ليست تجربة استرجاعية بل تجربته كانت بنت اللحظة التي عايشها .
في نقطة أخرى أشارت الدكتورة وعيل إلى طبيعة النص الصوفي وتساءلت إن كانت طبيعته روحية أم وجدانية أم مجتمعية أم هي دينية، ومن ثم أشارت إلى الذين حاولوا وصف النص الصوفي فمثلا (كاتز)الذي رأى أن التجربة الصوفية هي نتاج إطارها الثقافي، لكنه لم ينف وجود عامل مستقل ينتمي إلى جوهر الحقيقة المتعالية، حيث رأى أن اللغة تتحرك في هذه الحقيقة المتعالية التي ينبغي أن تخضع لها كل محاولة للتأويل، وأما (لايكوف وجونسون) فاعترفا أن خبرتنا في العالم الواقعي بمقدورها أن تفسر أي تجربة وهذا عن طريق الاستعارة التصورية، أما في الجانب الاسلامي فقد تحدثوا عن ضرورة إرجاع التجربة الصوفية إلى المعارف القبلية في القرآن، بل إعتبروا أن التصوف هو تذوق وجداني فردي للغة القرآن، وأما (جيمس بار) فقد قال أن اللغة في حد ذاتها لا تحمل رؤية ميتافيزيقية مرتبطة بسياقها الثقافي، وعليه يمكن للتجربة حسبه أن تنتقل من نسق ثقافي إلى آخر، دون أن تفقد شيئا من حمولتها .
اعتبرت الدكتورة وعيل أن تعاملها مع النص الصوفي من زاوية أنطولوجية جعلها تبدأ من تجربة دينية تمتد إلى النصوص الثقافية التي أسسته، وأضافت أنه لكي نفهم هذا البعد الذي تمتح منه النصوص لابد من الاستذكار بأن اللغة الصوفية تدور في فلك دوائر محددة من السطح إلى العمق، وأن الدائرة الأولى تبدأ من الإطار اللغوي العام الذي تصنعه قواميس اللغة، والذي يستمد منه الصوفي في صناعة دلالاته والدلالات التي اقتبسها من التجارب الأخرى .
وأما المستوى الثاني الخاص بالمجتمع، فيتمثل حسبها في النظر إلى التجربة من زاوية الرحم الذي ولدت فيه، كما أشارت إلى بعض الأخطاء مثل عدم النظر إلى الإطار الديني والثقافي الذي وضعت فيه التجربة ، وأشارت هنا إلى بعض التجارب التي اعتمدت على المفارقة الضدية ، كما أشارت إلى بعض المدارس الصوفية التي يمكن تصنيفها، وإذا ما تمكننا من تصنيف هذه النصوص حسبها نكون قد حافظنا على الأسس التي تنتمي إليها من منظور كل مدرسة، هذا من المنظور العام، أما من المنظور الخاص فأشارت إلى ابن العربي الذي تحدث عن الموقف البيني، عكس النفري الذي كان يتحدث عن الأقصى أي يتحدث عن الوصول إلى المنتهى.
أشارت الدكتورة في نهاية المداخلة إلى أن النص الصوفي الإسلامي بوصفه نصا أنطولوجيا هو نص يمتح من تجربة دينية، ومن مجتمع ثقافي معين، ولغة معينة، ولهذا ينبغي الولوج إليه من مداخل دلالية مختلفة، وتقصد هنا الدلالة الأنطولوجية أي البحث عن الترسبات المعنوية التي يمكن أن تكون قد تركتها الكلمة خلال مسارها، من طول وجودها التاريخي إلى أن وصلت إلى هذا الصوفي الذي قالها، كما أشارت إلى أن هناك بعض النصوص الصوفية التي لم يكن أصلها خطابا، فابن العربي مثلا كان يريد أن يؤسس، أما النفري فلم يرد أن يؤسس، بل كان يبوح بما دار بينه وبين حبيبه، فلغته تجعل المتلقي يبحث في الظلال البعيدة ، وفي النهاية أكدت على أنه لا ينبغي علينا أن نقرأ أي تجربة من منطلق تجربة أخرى .
وبعد هذا العرض المميز فتح الباب للنقاش حيث كانت هناك تدخلات قيمة ومن بين المتدخلين نجد الدكتور حبيب منسي والدكتور عبد القادر فيدوح والدكتورة آمنة بلعلى والدكتور عبد الله العشي، ومحمد تحريشي، إضافة إلى دكاترة وباحثين من داخل وخارج الوطن، بحيث تطرقوا إلى مجموعة من القضايا مثل ربط مصدر الكون بالجمال اللإلهي، كما كان هناك حديث عن علاقة النقد بالنص الصوفي، إضافة إلى هذا فقد أجمع الأساتذة على أن ما قدمته الدكتورة وعيل كان مميزا مثلما قامت به الدكتورة بلعلى التي رأت في الدكتورة كل صفات الباحث العارف والملم بالحقل الصوفي، وفي المقابل هناك من تمنى لو أن الدكتورة وعيل تحدثت عن أثر المرض على الكتابة مثل الدكتور حبيب مونسي، علما أن المحاضِرة كانت تتدخل بين الفينة والأخرى لتشرح بعض القضايا مثل قولها بأن طرحها كان تأويليا من مدخل أنطولوجي، كما اعترفت أن الصوفي أنواع حيث هناك صوفي لا يستطيع أن يتكلم وأكثر من هذا فهو يصل إلى الخرس، وهناك صوفي يستطيع أن يكتب مالا حدود له من الكتب واستشهدت بابن العربي.
وفي سؤال آخر حول تجربتها الشعرية وعلاقة التصوف بالفلسفة، اعترفت بأن الشعر لم يكن غاية في تجربتها، أما الفلسفة فاعتبرتها ضرورية كونها تتعاطى مع اللغة الصوفية، وواصلت بالقول بأن اللغة هي التي أكرمتها هذا الكرم وجعلتها متمكنة في هذا الحقل، قبل أن تقرأ على مسامع الجمهور قصيدة شعرية بطلب من الأستاذة بلعلى.
في الأخير اختتم الندوة الدكتور عبد الله العشي الذي قال بأنه ما يجمع بين الشعر والتصوف والفلسفة هي اللغة المجازية، فالشعر إدراك مجازي للعالم، والتصوف هو رؤية مجازية للعالم حيث يصبو إلى خلق عالم لا يشبه عالمنا، وأما الفلسفة ففي تجريدها للمقولات تدخل في استعارات ضمن أفق مجازي، قبل أن يشكر الدكتورة وعيل ويشكر كل المتابعين، فالمزيد من التألق للمنتدى الثقافي الجزائري.