الرئيسية / الرئيسية / ياسين بن عبيد والتجربة الصوفية في المنتدى الثقافي الجزائري

ياسين بن عبيد والتجربة الصوفية في المنتدى الثقافي الجزائري

الباحث: حسين بوسوفة

استضاف المنتدى الثقافي الجزائري يوم 26 ديسمبر الدكتور ياسين بن عبيد من أجل أن يشارك المتابعين تجربته الإبداعية. ولقد حاوره الأستاذ عبد الملك بومنجل، الذي افتتح الجلسة بتقديم سيرة ذاتية موجزة عن الدكتور ياسين بن عبيد، الذي ولد بولاية سطيف عام 1958، اشتغل كأستاذ التعليم الابتدائي لمدة 10 سنوات، ثم سجل طالبا في جامعة سطيف في قسم اللغة العربية وآدابها، و تحصل على شهادة الليسانس في الأدب العربي عام 1996، كما قضى 10سنوات أخرى كأستاذ للتعليم الثانوي، تحصل على شهادة ماجستير بجامعة سطيف عام 2004، واشتغل كأستاذ مؤقت بجامعة سطيف ، قبل أن يعين عام 2005 أستاذا بجامعة سطيف، اضافة إلى أنه قد تحصل على شهادة في الدكتوراه بباريس عام 2009.
لقد اهتم الدكتور ياسين بن عبيد بالشعر وتحديدا بالشعر الصوفي، ويعتبر ديوان الوهج العذري أول ما كتبه سنة 1995، ثم توالت الأعمال فكتب أهديك أحزاني سنة 2000، ومعلقات على أصدار الروح 2003، هناك التقينا ضبابا وشمسا عام 2008، كوثر الروح 2016، وحدائق المعنى 2020، ولقد ارتبط اسمه بموسوعة العلماء والأدباء الجزائريين، كما اهتم بأشعاره الباحثون والأساتذة، بحيث استخدمت كمدونات لمذكرات الماجستير والدكتوراه.


بعد هذا التقدم قدمت الكلمة للأستاذ ياسين بن عبيد الذي افتتح الجلسة بشكر جميع أعضاء المنتدى الثقافي الجزائري، وعبر عن سعادته بهذا المولود الثقافي المميز.
وقال أننا في الحديث عن الروحانية لابد من الوقوف على ثلاثة مصطلحات: الأدب الروحي، الأدب الديني، الأدب الصوفي، واعتبر أن الكثير من الناس لا يفرقون بينها، حتى أن هناك من يكتب دون أن يميز هذا الأدب من الآخر، ونتيجة لهذا الخلط أصبحوا يعبرون ويكتبون في هذه القوالب المختلفة ، ولكنهم بسبب الخلط نجدهم يقولون شيئا واحد.
أقر بن عبيد أن الأدب الروحي ليس نفسه الأدب الديني، ولا الصوفي، فالروحانية هي طريقة خاصة من طرق التعبير، والروحاني لا ترسو قدماه على حقيقة محددة، أما الأدب الديني فهو لصيق بالأدب الشعائري، وفي مقابل هذا قال إن الأدب الصوفي مختلف عن الروحي والديني بما يحمل من مضامين، هذا الأخير يعتبر من أكبر اهتماماته، وكان ميله لهذا النوع تحديدا بسبب الفضول، وبسبب ما جرى حوله من جدل.
يعتبر الأدب الصوفي رهان التجربة الشخصية للأستاذ بن عبيد، وما أثر فيه كثيرا هم أصحاب الخطابات الضدية، وقدم مثالا على أولائك الذين لا يعجبهم الحلاج، والذين يطعنون في مشروعه الفكري، حيث أرادوا تشويه الحقيقة التاريخية لهذه القامة المميزة حسبه.
أما عن نفسه هو فقد تأثر كثيرا بهذه الشخصية، و بالنصوص الصوفية بشكل عام، حتى أن أفكار هؤلاء غرست في ذاته فصار ينظر إلى الحياة ويتعامل مع الحياة انطلاقا من منظور هؤلاء الصوفيين.
إن التجربة الصوفية حسب بن عبيد تجربة تحاول الجمع بين الميراث الروحي وبين التعبير عن هذا الميراث، كما أضاف بأنه لا يؤمن بما تقترحه بعض الأسماء من جعل الكتابة الصوفية تقاس بمعيار محدد، و بأنه لا يعمل بتاتا بمقولة التصوف الملحد، بل يقصيها، ورأى أن هؤلاء الذي يستعيرون من المعجم الصوفي ألفاظهم وتراكيبهم ويصفون أنفسهم بكتاب هذا النوع، لا يعتبرهم سوى كتاب يحاولون بناء مجد بغية المتاجرة بالنصوص .
يعتبر الدكتور أن التجربة الصوفية الحقيقية هي التي تنسجم تمام الانسجام مع المعجم الصوفي فكرا وأسلوبا، وبكل ما يحمله هذا النوع من معدات وألفاظ تستطيع أن تحمل اسم الأدب الصوفي، كما اعترف بأنه لابد من أن يتوفر في المبدع الصوفي المعجم الصوفي، الذي اعتبره الشرط الأساسي في الكتابة الصوفية، كون أن الإبداع بوجه عام لا ينطلق من فراغ.
تمر التجربة الصوفية حسب بن عبيد بثلاثة مراحل وهي الانطلاق من تجربة فعلية، ثم صبغها بصبغة معجمية، ثم إدراجها في معجم شعري خاص، وإذا توفرت هذه الشروط حسب الدكتور حينها فقط نقول عن التجربة الإبداعية بأنها تجربة صوفية بامتياز.
وبعد هذا طلب الأستاذ بومنجل من دكتورنا أن يسمع الحضور قليل مما كتب
ومما ألقاه: قصيدته أغنية النار الخضراء
ثم سأله عن جدلية التصوف وعن ماسينيون، فرد بالقول بأن الذين يقولون بأن ماسينيون افتتح المنفذ للتجربة الصوفية غير صحيح، لأن لماسينيون أساتذة سابقين عليه، ومنهم استلهم أفكاره، وكما قال بأنه من غير المعقول ذكر هذه الشخصية قبل شخصية سيلفاستر دو ساسي، إضافة إلى هذا أكد بأنه لا يجب أن نتجاهل الاستشراق الإنجليزي، الذي كان بجانب الاستشراق الفرنسي،والإسباني، ومن هنا دعا إلى ضرورة البحث عن المراجع الحقيقية للصوفية، أما بخصوص أدونيس فقد تعجب من استدعائه إلى الخارطة الدينية والصوفية تحديدا، من منظور أن الأستاذ لا يؤمن بوجود صوفية ملحدة .
بعد هذا العرض فتح المجال أمام مجموعة من الأساتذة للتعقيب وللإضافة، فعقب الدكتور عبد القادر فيدوح على ماقاله الأستاذ بن عبيد بالاشارة إلى أن الصوفية أنواع ومن بينها :
-الصوفية الموجودة في وعينا العقائدي .
– الصوفية اليهودية، التي وصفها بالصوفية الطبالة، والتي حسبه تعتبر فكرة التلقي عبارة عن البحث في الاتصال بنور الله، وهذا النور يتجسد عبر التوراة ، ومن هنا قرنوا البحث عن المعنى بما هو غيبي، كما اعتبروا أن المعنى يتجسد في اللانهائي ، واستنادا إلى هذا الاعتقاد طالبوا بفتح النص إلى مالا نهايته، وهكذا جاءت فكرة التأويل المتناهي حسب فيدوح، وحسبهم أيضا فإن النص يبدأ غامضا، ونهايته تكون أكثر غموضا، ليضيف في نهاية تعقيبه بالقول بأن الصوفية عند اليهود هي صوفية سياسية .
أما الأستاذة عائشة توامة فقد أعقبت بالقول بأن التجربة الشعرية الصوفية لدى الجزائريين هي تجربة مميزة ، وفي سياق مغاير قال الدكتور عمر بوقرورة بأن توقعه قد خاب بحكم أن العنوان كان حول الروحانية ولكن ما ألقي وجده متعلقا بالصوفية ، ليوضح الأستاذ العشي أن العنوان وضع للجلسة كلها وليس للمداخلة تحديدا، ثم أضاف العشي بأننا لا نملك نظرية محددة في الأدب الصوفي، وهذا ما يوضح الاختلافات الموجودة، واستشهد بأعمال كل من بن عبيد و عثمان لوصيف.
وفي الأخير أعيدت الكلمة للأستاذ بن عبيد الذي شكرا الجميع، وعبر عن سعادته بهذا المنتدى الثقافي ، ونشير بالذكر إلى أن الندوة في بدايتها قد تعرضت للقرصنة من أطراف مجهولة، قبل أن يتدخل الطاقم المنظم الذي أعاد الأمور إلى نصابها، ويبقى المنتدى الثقافي بعيدا من أن تسقطه أيادي المتربصين.