الرئيسية / يارا المصري مترجمة‮ “‬العظام الراكضة‮” ‬و”الذواقة‮”‬ المعرفة شرط الترجمة

يارا المصري مترجمة‮ “‬العظام الراكضة‮” ‬و”الذواقة‮”‬ المعرفة شرط الترجمة

منى عبد الكريم

 “‬إن السلبيات التي تواجه الترجمة قد تتمثل في عدم أخذها بجدية كعملية إبداعية وليس مجرد نقل نص من لغة إلي لغة آخري،‮ ‬إضافة إلي الاهتمام الفاتر الذي تلقاه الترجمة في بلدنا‮”.‬

بهذه الكلمات عبرت المترجمة الشابة‮ ‬يارا المصري عن جانب من رؤيتها لعملية الترجمة من خلال صفحتها علي‮ “‬الفيس بوك‮”‬،‮ ‬والتي تحولت لنافذة تعرض من خلالها رأيها في عملية الترجمة وقضاياها باعتبارها واحدة من المترجمين الشباب الواعدين،‮ ‬وربما كانت قضية النشر وعلاقتها بالترجمة واحدة من القضايا الهامة التي علقت عليها‮ ‬يارا من خلال رؤيتها لعلاقة الناشر بالمترجم حيث تقول إنها لا تثق في الناشر الذي لا‮ ‬يمنح المترجم مكافأة حتي وإن كانت رمزية مقابل مجهوده في ترجمة العمل،‮ ‬أو‮ ‬يتعامل مع المترجمين باستعلاء،‮ ‬أو لا‮ ‬يلتزم بوعوده‮…‬أو‮ ‬يكون سببا في قتل العمل من خلال عدم عمل الدعاية الكافية‮ ..‬أو‮ ‬يتبع مبدأ‮ ” ‬الشللية‮” ‬في عمله‮ .. ‬
ورغم صغر سنها إلا أن‮ ‬يارا تمكنت في‮ ‬غضون سنوات قليلة من ترك بصمة بارزة في عالم الترجمة،‮ ‬وربما‮ ‬يرجع ذلك لتخصصها في لغة‮ ‬يصعب وجود مترجمين أكفاء فيها وهي اللغة‮ ‬‭ ‬في مدينة جينان بالصين‮. ‬وربما‮ ‬يرجع أيضا لغزارة إنتاجها وتخصصها في الترجمة الأدبية حيث صدر لها العديد من الترجمات ونشرت قصصاً‮ ‬ونصوصاً‮ ‬شعرية ودراسات في مجلات وصحف منها مجلة العربي،‮ ‬جريدة الأهرام،‮ ‬مجلة دبي الثقافية،‮ ‬أخبار الأدب‮.‬
‮ ‬وقد صدر لها أول كتاب مترجم عن الصينية‮ “‬العظام الراكضة‮” ( ‬مجموعة قصصية،‮ ‬للكاتبة الصينية‮: ‬آشه‮) ‬عن دار الحكمة للإعلام والثقافة في‮ ‬2015،‮ ‬ورواية‮ “‬الفرار في عام‮ ‬1934‮” ‬للكاتب سوتونغ‮ ‬الحائز علي جائزة البوكر الآسيوية عام‮ ‬2009‮ ‬عن دار الصدي ذ مجلة دبي الثقافية في‮  ‬2015،‮  ‬كما قامت بترجمة مجموعة قصصية بعنوان‮ “‬الرياح التي تهب إلي الشمال‮” ‬للكاتبة الصينية بينغ‮ ‬يوان،‮ ‬وتعمل حالياً‮ ‬علي ترجمة رواية‮ “‬الذواقة‮” ‬ضمن مشروع سلسلة الجوائز الصادرة عن الهيئة العامة للكتاب‮. ‬
كما ترجمت‮ ‬يارا أيضا العديد من القصص القصيرة المنفردة ومنها‮ ” ‬أبي وأمي‮” ‬للكاتبة فانغ‮ ‬جي،‮ ‬و”ستارة جدتي‮” ‬للكاتب لينغ‮ ‬تشين،‮ ‬و”الابتسامة الأكثر بطئاً‮ ‬في العالم‮” ‬للكاتبة بي شو مين،‮ ‬و”كوب من الماء‮” ‬للكاتب تشو هوا تشنغ،‮ ‬و”الأفكار المحفوظة في صندوق‮” ‬للكاتب‮ ‬يانغ‮ ‬هان قوانغ،‮ ‬و”الباب الأبدي‮ ” ‬للكاتب شاو باو جيان‮ ‬،‮ ‬و‮” ‬وقت مستقطع للاستمتاع‮” ‬للكاتب تسوي لي،‮ ‬و”عش الطائر‮” ‬للكاتبة ليو لين‮ ‬يينغ،‮ ‬و”مُربّي البط‮ ” ‬لمويان‮ .. ‬وغير ذلك،‮ ‬كما قامت بترجمة عدد من القصائد لكل من الشاعر الصيني‮ “‬بي داو‮”‬،‮ ‬و”خاي زي‮” ‬،‮ ‬و”فينغ‮ ‬تشي‮” .. ‬وغيرها‮ ‬
التقينا بالمترجمة الشابة‮ ‬يارا المصري وكان لنا معها هذا الحوار
ما الذي جذبك في الأساس لاختيار اللغة الصينية كمجال للدراسة؟‮ ‬
رغبت في البداية بدراسة الجيولوجيا في كلية العلوم،‮ ‬ثم اخترت كلية الآداب بعد تخرجي من الثانوية العامة،‮ ‬وفي النهاية اتفقت مع والدي علي دخول كلية الألسن،‮ ‬ودراسة اللغة الصينية،‮ ‬كان اقتراح والدي‮.‬
بعد اختيار اللغة الصينية،‮ ‬ما هي الصعوبات التي واجهتك وتختلف عن اللغات الأخري؟
هذا السؤال‮ ‬يعني أنني تعلمت لغات أخري‮ ‬غير الصينية،‮ ‬وهذا نسبياً‮ ‬صحيح،‮ ‬فأنا أتقن اللغتين العربية والإنجليزية من الدراسة والقراءة،‮ ‬لكن الصعوبة بالنسبة لي كمترجمة تبقي في اللغة التي أترجم عنها وهي اللغة الصينية،‮ ‬وهذه الصعوبة ستظل قائمة بالنسبة لي ولأي مترجم عن أي لغة،‮ ‬طالما اللغات تتطور وتدخلها ألفاظ جديدة وتتغير دلالات بعض ألفاظها القديمة،‮ ‬إن تركيزي في الحقيقة في الترجمة هو علي اللغة الصينية‮.‬
هل بدأتِ‮ ‬حياتك العملية بالترجمة الأدبية أم كانت هناك محاولات سابقة؟
نعم بدأت بالترجمة الأدبية،‮ ‬وإن كنت بعد ذلك وبالموازاة مع الترجمة الأدبية،‮ ‬أترجم أحياناً‮ ‬مقالات لها طبيعة ثقافية،‮ ‬ثمة مقال ترجمته أخيراً‮ ‬عن الجمل ذي السنامين في الصين،‮ ‬والذي كان معرضاً‮ ‬للانقراض،‮ ‬كونه‮ ‬يعيش في منطقة تجارب نووية،‮ ‬لكن عثر علماء علي بعض هذه الجمال ويقومون حالياً‮ ‬برعايتها‮. ‬ونُشر هذا المقال أخيراً‮ ‬في مجلة تُعني بالإبل وتصدر في أبوظبي‮.‬
للترجمة الأدبية صعوباتها التي تضاف لصعوبات الترجمة فكيف واجهتِ‮ ‬تلك الصعوبات؟‮ ‬
من أكثر صعوبات الترجمة الأدبية عدم توافر قاعدة بيانات محددة ومعلومات كما الحال في مجالات الترجمة الأخري،‮ ‬إلي جانب ذلك،‮ ‬مترجم الأدب‮ ‬يعتمد علي نفسه اعتماداً‮ ‬كلياً‮ ‬علي محاورة مؤلف العمل من خلال قراءته للعمل عدة مرات،‮ ‬والاستعانة بالدراسات والمقالات التي كُتبت حول العمل إذا استدعي الأمر،‮ ‬وتخيل الأحداث،‮ ‬والبحث عن الخلفية التاريخية والثقافية للعمل المراد ترجمته‮.  ‬وقد ساعدتني القراءة أولاً‮ ‬وأخيراً‮ ‬علي التغلب علي تلك الصعوبات،‮ ‬وقراءة الأدب تحديداً‮. ‬كما أنني أقرأ العمل أولاً‮ ‬مرتين علي الأقل،‮ ‬وأقرأ تعريفاً‮ ‬مفصلاً‮ ‬عن الكاتب،‮ ‬وفي أحيان كثيرة أبحث عن فيديوهات لأستمع إلي الكاتب أو الشاعر في مؤتمر أدبي مثلاً‮ ‬أو في حوار تلفزيوني،‮ ‬كما فعلت حين ترجمت قصائد للشاعر الصيني‮ “‬بي داو‮” ‬والكاتب الصيني‮ “‬سوتونغ‮”. ‬كما أنني أعطي العملَ‮ ‬حقه في البحث والدراسة والإلمام بكل ما كُتب عنه كما فعلت مع الكاتب الصيني‮ “‬لو وين فو‮” ‬في رواية‮ “‬الذوَّاقة‮” ‬التي انتهيت من ترجمتها مؤخراَ‮. ‬كما أن القدرة علي تخيل أحداث العمل،‮ ‬وتخيل الألوان وطريق التعبير والحديث‮.. ‬إلخ مهم جداً‮ ‬في الترجمة الأدبية،‮ ‬لأنها قائمة بالأساس علي مخيلة شخص‮. ‬
وهل تجدين اختلافات جوهرية في التعامل مع نوع أدبي دون آخر‮ ‬يعني هل تختلف ترجمة الرواية عن القصص القصيرة؟‮ ‬
لا أستطيع الجزم من خلال ترجمة الرواية والشعر والقصة القصيرة والدراسات بأن هناك اختلافات جوهرية في الأنواع الأدبية وإن كانت مختلفة بالطبع من حيث البناء والتركيب،‮ ‬الرواية أحداثها متتابعة مليئة بالتفاصيل وقد‮ ‬يُدمج بها أبياتٌ‮ ‬من الشعر أو إشارةٌ‮ ‬إلي أسطورةٍ‮ ‬ما أو أمثالٌ‮ ‬وغير ذلك‮. ‬أما القصة القصيرة فمركزة وأيسر نوعاً‮ ‬ما،‮ ‬ثم بعدها تأتي ترجمة الشعر،‮ ‬وهي صعبة بعض الشيء،‮ ‬لأنك تحاولين بقدر الإمكان الاقتراب والتماس مع الصورة والمعني الذي‮ ‬يريد الشاعر إظهاره في القصيدة‮. ‬في النهاية‮ ‬يختلف كل نوع أيضا من حيث أسلوب الكاتب وطريقة تعبيره عن موضوع ما‮. ‬
ولكن ما هي أكثر النصوص التي وجدتِ‮ ‬صعوبة في ترجمتها؟‮ ‬
أكثر النصوص التي كانت مرهقة نوعاً‮ ‬ما في ترجمتها كانت رواية‮ “‬الذوَّاقة‮”‬،‮ ‬علي الرغم من أنها رواية قصيرة،‮ ‬ولكنها رواية معقدة إلي حدٍّ‮ ‬ما،‮ ‬مليئة بالتفاصيل التاريخية واللهجة المحلية للجنوب الصيني،‮ ‬بالإضافة إلي الشعر الصيني الكلاسيكي‮. ‬أما أحب النصوص بالنسبة لي فهي رواية‮ “‬الفرار في عام‮ ‬1934‮” ‬للكاتب سوتونغ،‮ ‬لأنني قرأت لهذا الكاتب بعض الأعمال ويعتبر من الكتاب الذين أود ترجمة أعماله الكاملة في‮ ‬يوم من الأيام،‮ ‬كما أنني أميل إلي هذا النوع والأسلوب في الكتابة‮. ‬
لماذا اخترتِ‮ ‬رواية‮ “‬الذوَّاقة‮” ‬بالرغم من صعوبتها في الترجمة كما قلتِ؟ وكذلك رواية الفرار في عام‮ ‬1934؟
تُعَدُّ‮ ‬رواية‮ “‬الذوَّاقة‮” ‬أهم عمل للكاتب الصيني‮ “‬لو وين فو‮” ‬وقد نُشرت لأول مرة عام‮ ‬1983‮ ‬في العدد الأول من مجلة‮ “‬الحصاد‮”. ‬وتدور أحداث الرواية في مدينة سوجو جنوب الصين،‮ ‬وهي مدينة مشهورة بجمال الطبيعة وأماكنها الترفيهية،‮ ‬ومعروفة كذلك بمطبخها الشعبي الغني‮. ‬وتحكي الرواية عن العلاقة بين أحد الأثرياء الذي‮ ‬يحبون تناول الطعام ويعمل كذوَّاقة وهو تشو زي تشي،‮ ‬وبين أحد المشاركين في الثورة الذي‮ ‬يعمل جاهداً‮ ‬لتنفيذ أهدافها والبعد عن البذخ والإسراف وهو قاو شياو تينغ‮.  ‬
وهي رواية ثرية‮ ‬،‮ ‬وقد بدأ‮ “‬لو وين فو‮” ‬عام‮ ‬1955‮ ‬مسيرته الأدبية والتي استمرت أكثر من خمسين عاماً،‮ ‬وبعد أن نشر رواية‮ “‬الذوَّاقة‮” ‬عام‮ ‬1983،‮ ‬افتتح‮ “‬لو وين فو‮” ‬مطعم‮ “‬ذاوَّقةُ‮ ‬سوجو القديمة‮”‬،‮ ‬ليقدم في مطعمهِ‮ ‬مأكولات سوجو التقليدية،‮ ‬كوسيلةٍ‮ ‬لتحقيقِ‮ ‬فكرته المثاليةِ‮ ‬عن الطعام الجيد،‮ ‬وكان معروفاً‮ ‬في الوسط الأدبي الصيني باشتغاله في أعمال المطاعم‮.‬
أما المشترك بين تلك الرواية ورواية‮ “‬الفرار في عام‮ ‬1934‮” ‬هو التاريخ الصيني الحديث،‮ ‬الثورة،‮ ‬المجاعة،‮ ‬البؤس الإنساني‮.. ‬حيث تعالج رواية‮ “‬الذوَّاقة‮” ‬هذا الموضوع من زاوية‮ “‬الطعام والجوع‮” ‬بينما تعالجه رواية‮ “‬الفرار في عام‮ ‬1934‮” ‬من زاوية‮ “‬تفشي الوباء ورحيل الرجال عن القري إلي المدينة وترك النساء لمواجهة مصائرهن‮” ‬وأهمية الروايتين تأتي من القدرة علي الإبداع استناداً‮ ‬إلي التاريخ كما لو كان حاضراً‮ ‬مستمراً‮ ‬نعيشه،‮ ‬وهو ما نلمسه في مصر مثلاً‮ ‬حيث البؤس والمرض والثورة علي اختلاف المكان والزمن والظروف‮.‬
هناك دائما إشكاليات في الترجمة تتعلق بالفجوات الثقافية واللغوية والدينية؟ فما هي الآلية التي تتبعينها للتغلب علي تلك الصعوبات؟
من خلال القراءة الجادة والبحث والدراسة‮. ‬ودائماً‮ ‬ما‮ ‬يواجه المترجم مثل هذه الفجوات بالطبع،‮ ‬سأضرب مثالاً‮ ‬واحداً‮:‬
في رواية‮ “‬الذواقة‮” ‬وردت جملة علي لسان سيدة باللهجة المحلية لجنوب الصين،‮ ‬سألت أصدقاء صينيين عن معني الجملة التي‮ ‬يمكن أن نقولها بالعامية المصرية كالآتي‮ “‬يا سيد تشو،‮ ‬سمعت فين الكلام الفارغ‮ ‬ده،‮ ‬إحنا هنا مش بنعمل طبخات مشهورة،‮ ‬إحنا هنا بنعمل وجبات خفيفة وبنعملها لما بنكون زهقانين وعايزين نتسلي‮”‬
وكانت صياغتي للجملة بالعربية الفصحي في الترجمة كالآتي‮:‬
‮” ‬يا سيد تشو،‮ ‬أين سمعت هذا الكلامَ‮ ‬الفارغ؟ نحن هنا لا نُعدُّ‮ ‬فقط أطباقاً‮ ‬مشهورة،‮ ‬بل وجباتٍ‮ ‬خفيفةً‮ ‬كذلك،‮ ‬كتسليةٍ‮ ‬حينما نكون ضَجرين‮.”‬
بالنسبة لي كان لا بد من صياغة الجملة بالفصحي،‮ ‬لتباين اللهجات المحلية العربية،‮ ‬وبالتالي تكون الفصحي البسيطة من وجهة نظري هي الحل المثالي لقراءتها في البلدان العربية المختلفة‮. ‬وفي كل الأحوال‮ ‬يجب علي المترجم كما قلت أن‮ ‬يدرك أن الترجمة ليست نقلاً‮ ‬فقط من لغة إلي لغة وإنما هي‮ “‬عمل ثقافي وإبداعي‮” ‬إن جاز التعبير لأنها تتطلب بحثاً‮ ‬في مصادر مختلفة لإحياء النص في لغة‮ ‬غير لغته الأصلية‮.‬
ولكن هل ساعد وجودك في الصين خلال فترة دراستك علي فهم المجتمع الصيني وهل انعكس ذلك علي ترجمتك؟‮ ‬
بالتأكيد،‮ ‬الاحتكاك المباشر مع أهل اللغة التي‮ ‬يترجم عنها المترجم أمر مهم وضروري جداً،‮ ‬لأنه‮ ‬يساعد المترجم علي التعرف بشكل أكثر علي ثقافة أهل اللغة وعاداتهم علي أرض الواقع،‮ ‬وفهم لغتهم بشكل أكبر‮. ‬وهذا بالطبع انعكس علي ترجمتي،‮ ‬فلولا السفر إلي الصين والدراسة هناك،‮ ‬والمجهود الذاتي في تعلم اللغة الذي كنت أبذله في فترات الصيف من خلال تحميل دروس بمستويات متعددة ودراستها،‮ ‬والدردشة مع الصينيين عبر الإنترنت والتعرف علي الطلبة الصينيين في مصر وتكوين صداقات،‮ ‬بالإضافة إلي سماع الراديو وقراءة المجلات والكتب ومشاهدة الأفلام والبرامج الصينية وغيرها،‮ ‬لما استطعت استيعاب اللغة بهذا الشكل،‮ ‬وبالتالي لم أكن لأستطيع الترجمة‮. ‬
ذكرت أنك تعتمدين كثيرا علي بناء معارفك بالقراءة‮ .. ‬إذا فأنت تطبقين مقولة المترجم الجيد هو بالأساس قارئ جيد؟
بلا شك أن الترجمة هي فعل قراءة والمترجم بالأصل قارئ،‮ ‬وأنا لا أثق في المترجمين الذين لا‮ ‬يقرأون‮. ‬شرط أساسي من شروط الترجمة برأيي هو المعرفة،‮ ‬والمعرفة لا تأتي إلَّا عن طريقة القراءة والبحث‮. ‬وأنا عن نفسي قبل الشروع في ترجمة عمل ما،‮ ‬أهيئ نفسي بقراءة بعض الكتب أولاً،‮ ‬ثم أبدأ في خطة الترجمة التي أعددتها،‮ ‬كما أنني لا أتوقف عن القراءة خلال مرحلة الترجمة‮. ‬إلي جانب ذلك،‮ ‬تفرض الترجمة وتجبر المترجم علي القراءة سواء شاء أم أبي‮. ‬أذكر أنني عندما ترجمت إحدي القصص في المجموعة القصصية الأولي‮ (‬العظام الراكضة‮)‬،‮ ‬اضطررت إلي قراءة ملف بالكامل عن اللؤلؤ حتي أستطيع استيعاب النص وتخيله،‮ ‬وحدث الأمر مرة أخري مع رواية‮ (‬الذوَّاقة‮)‬،‮ ‬لقد قرأت مواد كثيرة عن مهنة الذوَّاقة وعن المدينة التي تدور فيها أحداث الرواية وغيرها‮. ‬والآن أعمل علي ترجمة مختارات شعرية للشاعر الصيني الراحل‮ (‬خاي زي‮)‬،‮ ‬وكانت إحدي قصائده عن فان جوخ،‮ ‬وقد حدث أنني أوقفت ترجمة القصيدة،‮ ‬وقرأت كتاباً‮ ‬عن حياة فان جوخ بالكامل،‮ ‬ثم عدت للترجمة‮. ‬القراءة أمر مهم في عملية الترجمة،‮ ‬ولا أنصح أي مترجم بإهمالها أو الابتعاد عنها مهما حدث‮. ‬
هل تختارين النصوص بنفسك؟ وما هي المعايير التي تحكم عملية ترجمة عمل دون آخر؟‮ ‬
نعم أختار النصوص بنفسي،‮ ‬في بعض الأحيان أتناقش مع أستاذي المترجم القدير الدكتور محسن فرجاني،‮ ‬لكن في أغلب الأحيان أختار النصوص بنفسي‮.  ‬بالنسبة لي،‮ ‬إن لم‮ ‬يُحدِث النص تأثيراً‮ ‬نفسياً‮ ‬وإن لم أتفاعل معه فلا أترجمه،‮ ‬هذا هو المعيار الأول لاختياري النصوص المترجمة،‮ ‬وأنا أعتقد أن هذا المعيار مهم للغاية في ترجمة الأدب بالذات،‮ ‬باعتبار مهمة الأدب‮ (‬قصة،‮ ‬شعر،‮ ‬رواية،‮ ‬مسرحية وغيرها‮) ‬هي إحداث تأثير ما لدي المرء وإمتاعه سواء أكان نصاً‮ ‬مبهجاً‮ ‬أو العكس‮. ‬وفي بعض الأحيان‮ ‬يكون المعيار هو شهرة الكتاب داخل بلده أو في الخارج،‮ ‬ورغبة الناس في قراءة المزيد من النصوص،‮ ‬مثل قصة‮ (‬مُربِّي البط‮) ‬التي ترجمتها للكاتب مويان الحاصل علي جائزة نوبل للآداب عام‮ ‬2012،‮ ‬أو راوية‮ (‬الفرار في عام‮ ‬1934‮) ‬للكاتب سوتونغ‮ ‬الحاصل علي جائزة البوكر الآسيوية عام‮ ‬2009‭.‬‮ ‬وأحيانا‮ ‬يكون المعيار البحث عن عمل أدبي ما‮ ‬يناسب أو‮ ‬يعكس ما‮ ‬يحدث في البلد من تحولات اجتماعية ونفسية واقتصادية،‮ ‬كرواية‮ (‬الذوَّاقة‮) ‬مثلاً‮. ‬وأنا أهتم في المقام الأول بالكتاب الشباب،‮ ‬والنصوص‮ ‬غير المعروفة للكتاب المشهورين‮.‬
من وجهة نظرك من هم أهم الكتاب الصينيين الذين تركوا بصمات واضحة في الأدب الصيني؟‮ ‬
هناك العديد من الكتاب الصينيين المهمين بحيث لا‮ ‬يمكنني حصرهم ومنهم‮ : ‬لوشون،‮ ‬ولاوشه،‮ ‬وباجين،‮ ‬وسوتونغ،‮ ‬ومويان،‮ ‬وغاو شينجيان،‮ ‬ويو هوا،‮ ‬والكاتبة تيي نينغ،‮ ‬وجيا بينغ‮ ‬آو،‮ ‬ويو تشيو‮ ‬يو،‮ ‬والكاتبة جانغ‮ ‬آي لينغ،‮ ‬والكاتبة تشياو‮ ‬يي،‮ ‬والكاتب بي فيْ‮ ‬يو،‮ ‬ووالشاعر بي داو،‮ ‬الكاتب خان خان وغيرهم كثيرون‮. ‬
أما أنا فبصورة عامة أفضل الكاتب سوتونغ،‮ ‬والكاتب‮ ‬يو هوا،‮ ‬والكاتبة تشياو‮ ‬يي،‮ ‬والكاتبة تيي نينغ،‮ ‬والكاتبة تشي لي والشاعر خاي زي والشاعر فينغ‮ ‬تشي‮. ‬
ولكن‮  ‬هناك أعمالا أكثر شهرة أو تأثيراً‮ ‬في أدب كل دولة؟ مثل مائة عام من العزلة؟ أو ثلاثية نجيب محفوظ في مصر؟ ما هي الأعمال الصينية التي تذكر علي المستوي نفسه؟
‮ ‬في الحقيقة لا‮ ‬يمكن اختزال الأدب الصيني في عمل أو عملين،‮ ‬لأنه أدب‮ ‬غزير وممتد منذ آلاف السنين،‮ ‬ومن الصعب حصر الأعمال الإبداعية في عدة أعمال،‮ ‬ولكن بشكل عام هناك أعمال مؤثرة وأساسية ومعروفة لدي الكتاب الصينيين وغير الكتاب والمبدعين كذلك‮: ‬الروايات الكلاسيكية الأربع‮ “‬رحلة إلي الغرب‮”‬،‮ “‬الممالك الثلاث‮”‬،‮ “‬حافة الماء‮”‬،‮ ‬و”حلم المقصورة الحمراء‮”‬،‮ ‬التي وصفها الكاتب بورخيس بأنها رواية تشبه المتاهة،‮ ‬وتعتبر‮ “‬إنجيل‮” ‬الكتاب الصينيين‮. ‬وهناك أيضاً‮ ‬كتاب‮ “‬تعاليم كونفوشيوس‮”‬،‮ ‬وكتاب‮ “‬سجلات التاريخ‮” ‬الذي وضعه المؤرخ سيما تشيان‮ “‬سيما كين‮”‬،‮ ‬وكتاب الأغاني‮. ‬كما تعتبر أعمال كبير الأدباء الصينيين الراحل السيد لوشون من أهم الأعمال المؤثرة في الأدب الصيني،‮ ‬كذلك أعمال الكاتب باجين،‮ ‬ولاوشه،‮ ‬وغيرهم من الكتاب‮. ‬
هل ترين أن الترجمة العكسية من العربية إلي الصينية لا تزال فقيرة؟ وهل الصين مطلعة علي الثقافة العربية؟
الصين مطلعة علي الثقافة العربية قدر ما تُرجم إلي اللغة الصينية،‮ ‬أو من خلال ترجمات وسيطة إلي اللغة الصينية،‮ ‬ولكن تظل الترجمات قليلة بالطبع مقارنة بما‮ ‬يترجم عن اللغة الانجليزية أو الروسية أو الإسبانية إلي اللغة الصينية‮. ‬
ولكن هل هناك نقص بالتعريف بالأدب الصيني المعاصر في العالم العربي؟
هناك بالطبع نقص وقصور شديد في التعريف بالأدب الصيني في العالم العربي،‮ ‬تعرضت لذلك الموقف الذي قال لي فيه أحد الأصدقاء‮: “‬أي أدب صيني معاصر تتحدثين عنه؟‮”‬،‮ ‬ولا أستطيع أن أضع اللوم سوي علينا نحن كمترجمين وكمؤسسات للترجمة‮.‬
إذا كان الأدب الصيني بعيداً‮ ‬عن المجتمع العربي بسبب نقص الترجمة؟ فما هو وضع الأدب الصيني علي الصعيد العالمي؟‮ ‬
علي العكس تماماً،‮ ‬فالأدب الصيني حاضر بشكل قوي علي الساحة الأدبية العالمية،‮ ‬الأعمال الأدبية المترجمة والدراسات والأبحاث الشاملة عن اللغة الصينية والترجمة وفروع أخري‮. ‬وأنا شخصياً‮ ‬أقرأ العديد من الدراسات المترجمة من اللغة الصينية إلي الإنجليزية
ما هي أشهر الأعمال العربية المعروفة في الصين؟ ولو كان بمقدورك اختيار أعمال لترجمتها للصينية فما هذه الأعمال؟‮ ‬
هناك العديد من الأعمال العربية التي ترجمت إلي اللغة الصينية،‮ ‬مثل كتاب‮ “‬النبي‮” ‬لجبران خليل جبران،‮ ‬وأعمال نجيب محفوظ،‮ ‬وكتاب‮ “‬الأيام‮” ‬لطه حسين،‮ ‬وكتاب‮ “‬تاريخ الأدب العربي‮” ‬لحنا الفاخوري،‮ ‬و”تاريخ الأدب العربي في مصر‮” ‬للدكتور شوقي ضيف،‮ ‬و”الأدب الروائي والمسرحي في مصر‮” ‬لأحمد هيكل،‮ “‬كليلة ودمنة‮”‬،‮ “‬مختارات من ألف ليلة وليلة‮”‬،‮ ‬والشعر العربي القديم،‮ ‬وقصيدة‮ “‬البردة‮” ‬لشرف الدين البوصيري،‮ ‬وأعمال لإحسان عبد القدوس،‮ ‬وتوفيق الحكيم،‮ ‬ويوسف السباعي ويوسف إدريس وعبد الرحمن الشرقاوي،‮ ‬وترجمت أعمال أيضاً‮ ‬لميخائيل نعيمة وجرجي زيدان وتوفيق‮ ‬يوسف عواد،‮ ‬كما ترجمت أعمال متفرقة لبعض الكتاب،‮ ‬منهم أسماء كبيرة في الأدب العربي الحديث،‮ ‬مثل أبو القاسم الشابي وغسان كنفاني وحنا مينا وعبد الحميد بن هدوقة وعبد المجيد بن جلون والطاهر بن جلون وأحمد إبراهيم الفقيه والطيب صالح وآسيا جبار وسعاد الصباح وليلي عثمان‮. ‬وأعتقد أن التراث العربي أثبت وجوده في الصين عبر أجيال من المترجمين‮. ‬ومع ذلك تري الصين أن مجهودها في الترجمة لايزال ناقصاً‮ ‬وتسعي إلي تأهيل مترجمين لترجمة أكبر قدر ممكن من الثقافة العربية وتعريف القارئ الصيني بها‮. ‬وأعتقد أنه لو أتيحت لي فرصة ترجمة أعمال من العربية إلي الصينية فقد أختار رواية‮ “‬فساد الأمكنة‮” ‬لصبري موسي،‮ ‬أو قصص لمحمد إبراهيم مبروك،‮ ‬أو أهتم بشكل عام بترجمة الأدب العربي الذي‮ ‬يكتبه الشباب‮. ‬
هناك أكثر من مؤسسة تهتم بالترجمة في العالم العربي،‮ ‬ومنها المركز القومي للترجمة في مصر ونظيره في تونس ومشروع كلمة في أبوظبي؟ هل تمكنت هذه المؤسسات من سد فراغ؟ وهل ثمة تعاون وتنسيق بين هذه المؤسسات؟‮ ‬
لا أعتقد أنها تمكنت من سد الفراغ،‮ ‬لأنه إلي الآن لا توجد خطة ومشروع جدي للترجمة عن اللغة الصينية بكل فروعها،‮ ‬ولا زالت الجهود فردية‮.‬
كيف تنظرين إلي وضع الترجمة في العالم العربي؟ وإشكاليات الترجمة المؤسسية من وجهة نظرك؟
من الصعب الإجابة علي سؤالٍ‮ ‬كهذا،‮ ‬لأنه‮ ‬يتطلب إحاطة كبيرة بكل ما تُرجم في الفترة الأخيرة،‮ ‬ولا‮ ‬يمكنني كمترجمة متخصصة في لغة تقديم إجابة دقيقة،‮ ‬هذا عمل باحثين في الغالب ويتطلب إحصائيات عن عدد الترجمات ومجالاتها والمؤسسات التي تبنتها ومدي أهمية كل ذلك بالنسبة لنا في مصر كأفراد أو كمؤسسات تعليمية وعلمية وجامعية‮. ‬ولكن‮ ‬ينقصنا مؤسسات تتبني مشاريع الترجمة في مختلف المجالات بشكل جِدِّي،‮ ‬وتقوم بتأهيل وتدريب المترجمين،‮ ‬وإقامة ورش للترجمة بشكل دوري ومستمر،‮ ‬وتشجيع من لديه القدرة والموهبة علي الترجمة،‮ ‬ودعم المترجمين الجيدين بتشجيع أعمالهم المترجمة والدعاية لها وإعطاءهم حقهم في المكافآت،‮ ‬وإتباع سياسة نشر تناسب الطرفين‮. ‬وبشكل عام تعاني مؤسسات الترجمة في مصر مما تعانيه المؤسسات الأخري،‮ ‬خاصة في فترة التحولات الأخيرة التي تمر بها مصر‮.‬
ولكن هل هناك قاعدة بيانات تساعد المترجم علي اختيار الأعمال التي‮ ‬يترجمها؟‮ ‬
حتي الآن كل مشاريع الترجمة هي جهود فردية،‮ ‬المترجم هو مَن‮ ‬يبحث عن الأعمال،‮ ‬وهو الذي‮ ‬يضع خطة للترجمة ويختار العمل،‮ ‬وفي كثير من الأحيان‮ ‬يتواصل مع دار النشر أو الكاتب للحصول علي حقوق الملكية،‮ ‬فشخصياً‮ ‬أعتقد أنه لا‮ ‬يوجد دعم كاف للمترجم إلي الآن،‮ ‬كما أنه لا توجد نقابة للمترجمين تدعمهم وتحافظ علي حقوقهم وترعي عملهم‮. ‬
العمل الصيني الذي تتمني أن تترجميه؟‮ ‬
لا‮ ‬يوجد عمل بعينه أتمني ترجمته،‮ ‬لأنني كما ذكرت سابقاً‮ ‬لا أستطيع اختزال الأعمال الإبداعية الصينية في عمل أو عملين،‮ ‬ولكن بشكل عام،‮ ‬أتمني ترجمة الأعمال الكاملة للكاتب سوتونغ،‮ ‬والأعمال الشعرية الكاملة للشاعر الصيني الراحل‮ “‬خاي زي‮”‬،‮ ‬وإن كنت قد أنهيت ترجمة مجموعة من قصائده لتقديمها إلي القارئ العربي وللتعريف بهذا الشاعر،‮ ‬ولكن تظل ترجمة أعماله الشعرية الكاملة مشروعاً‮ ‬مهماً‮ ‬أود إنجازه‮. ‬إلي جانب ذلك،‮ ‬يوجد العديد من الشاعرات والكاتبات الصينيات المعاصرات الذي أود تقديمهن كذلك للقراء،‮ ‬إلي جانب ترجمة بعض المقالات والدراسات المختصصة في الأدب الصيني المعاصر لسد ولو جزء بسيط جداً‮ ‬من الفراغ‮ ‬في تعريف القارئ والمهتم بالثقافة والأدب الصيني‮.

رابط المقال