الرئيسية / الرئيسية / متاهات احميدة عياشي: ملاحظات سريعة

متاهات احميدة عياشي: ملاحظات سريعة

عاشور فني


في الثمانينيات كان أحميدة عياشي يقدم مونولوج ( قدور لبلاندي ) في الأحياء الجامعية والأحياء الشعبية وعلى الركح أحيانا في شكل فقير ولكن مؤثر . ديكور معدوم وتمثيل يلعب على الجسد والحركات والأصوات بقدر ما يعتمد على نص متحول منفتح يستوعب الأحداث اليومية ويحولها إلى فكرة قابلة للنقاش ويربطها بالحياة السياسية. المشهد المسرحي يصعد الحدث ويكشف جانبه الدرامي ويدفع إلى التفكير والفعل. كان ذلك شكلا من أشكال المسرح السياسي.
في متاهات عمل احميدة على تفكيك الحدث وتفصيله وتحويله إلى مشاعر إدانة وسخط عن طريق إثارة الفزع وشحن المشاهدين بطاقة جبارة. الفعل الجمالي يدفع الى بناء موقف في الفكر وفي الحياة. في الفن وفي السياسة.
انطلق احميدة هنا من نص مكتوب لكن عبقرية التمثيل جعلت منه فعلا إبداعيا يسمح بالارتجال والانتقال بحرية بين تفاصيل كثيرة وإبراز بعضها وتهميش أخرى. تكرار بعض الكلمات. تكرار بعض وضعيات الجسد. تكرار الأصوات. أصوات الخوف والفزع. محاكاة أصوات الاحتضار. حين تتحول القراءة الى حشرجة. قلما استطاع كاتب أن يحول الأحداث الى مشاعر والتاريخ إلى حاضر. القراءة ممزوجة بالتمثيل والعويل. تجوز فعل القراءة إلى العرض. تجاوز العرض إلى الأداء. أداء في اداء.
السؤال الذي يفرض نفسه هنا كيف استطاع احميدة تحويل مشاهد الفزع إلى فعل جمالي؟

إعادة تشكيل فضاء العرض
المعتاد ان يجري تمثيل المشاهد على منصة عالية في المقدمة ويكون الجمهور في صالة مقابلة يتابع العرض في اتجاه مقابل لمثل. هنا جرى إعادة تشكيل فضاء العرض بحيث كانت المشاهدة تمثل في القاعة ولا توجد منصة. الجمهور محيط بالمثل يتابع مشاهد الرعب كما يجري في الحياة اليومية ايام المحنة. صارت المشاهد أقرب وأكثر تأثيرا. تجري أحداث الركح بنفس الفوضى التي تجري بها أحداث الحياة.
تكسير خطية السرد
يجري الانتقال من الحدث الراهن الجاري في بوفاريك إلى ذلك الحدث التاريخي الذي جرى في عهد الفاطميين :ثورة أبي يزيد النكاري صاحب الحمار. العنف مكون بنيوي في الثقافة وفي الحياة السياسية. في النص وفي المشهد التمثيلي.
للوصول الى مبتغاه استخدم احميد عياش اشكالا سردية وأنماطا مختلفة:
الراوية
استعار احميدة عدة أشكال لسرد نصه: بدءا من فعل القراءة البسيط مثل الحكواتي حين يسرد نص الحكاية الشعبية بجبته السوداء في المقهى الشعبي والقوال في السوق الذي يتحلق حوله الناس.
الحضرة
أستعار ايضا طريقة الدراويش في الحضرة لنقل مشاهد الرعب والهذيان بترديد كلمات محددة إلى ما لانهاية. تحويل الكلمات والحركات والاصوات إلى طاقة جبارة ينقلها احميدة إلى جمهوره المتسمر أمام رهبة المشهد. قشعريرة تسري في القاعة كلها. الأجساد والكراسي والجدران. الدوران والسقوط والرعية. لحظات النشوة والجذب ولحظات الفزع والموت.
الاصوات والموسيقى
استعادة مشاهد الفزع بكل تفاصيلها لا بالكلمات فقط بل بالطرقات واختلاط الأصوات والصراخ. الموسيقى لم تكن للتزيين ولا للمتعة بل كانت أداة للتكثيف.


عرض إبداعي ارجع إلينا احميدة الفنان المبدع المجدد الباحث عن الأشكال والقوالب الفنية الأصيلة الحية والمهمشة. اشتغال على دواخل الإنسان بدلا من الاكتفاء بالتركيز على مظاهر الحدث الخارجي. احميدة الجمالي مستحوذا على الركح. احميدة المبدع منتصرا على الفكري والسياسي معا.
الجزائر في 24 جوان 20177.

رابط المقال على موقع نفحة