الرئيسية / الرئيسية / قصة قصيدة :صحاب البارود القصيدة التي أعلنت الثورة ربع قرن قبل اندلاعها

قصة قصيدة :صحاب البارود القصيدة التي أعلنت الثورة ربع قرن قبل اندلاعها

عاشور فني

شاعت قصيدة صحاب البارود وتغنى بها الكثيرون في الأعراس والحفلات وترنم بها كثير من الشباب وأصبحت نموذجا لنجاح الفنانين. لكن ما قصة هذه القصيدة؟ ومن الشاعر الذي كتبها؟ وهل هذا هو النص الحقيقي الذي كتبه الشاعر؟ ولماذا شاعت الأغنية ولم يشتهر الشاعر ولا النص الأصلي؟

تبدأ المشكلة من العنوان.  من هم اصحاب البارود والكارابيلا؟

بداية الحكاية

كات القصيد هو شاعر جزائري اسمه  هواري بلوهناني واشتهر باسم هوراي حناني. ولد  في العام 1902 بالحمري بمدينة وهران. تميز بالنباهة منذ صغره. وفي شبابه اتصل بالشعراء والفنانين وتعلم فنون الشعر والغناء والمديح. لكن ظروف الاحتلال حرمته من العيش بسلامز وج به في السجن لسباب تتعلق بنشاطه وزاده ذلك حنقا وحقدا على الوضع القائم.

في عام 1930 كان  قد مر قرن كامل على الاحتلال الفرنسي للجزائر. أعدت فرنسا احتفالا ضخما بالمناسبة دام سنة كاملة. أنشأت لذلك لجنة كبرى ترأسها كبير مؤرخي فرنسا آنذاك وصاحب مدرسة شهيرة في التاريخ وهو فرناند بروديل Fernand Braudel صاحب كتاب قواعد الحضارات Grammaire des civilisations .

تضمنت الاحتفالات استفزاز كبيرا لمشاعر الجزائريين الوطنية والدينية. من بين ما تضمنته فعالية الاحتفالات تلك إقامة جنازة كبيرة يكون فيها تابوت ضخم ممددا كتب عليه اسم ( الإسلام). كان الفرنسيون يعبرون بذلك عن رؤيتهم لجزائر خالية من العنصر الإسلامي. بعد ان تم القضاء على المقاومة العسكرية والسياسية بقيت عملية التدجين الثقافي التي بدأت منذ بداية الاحتلال باضطهاد العلماء والمثقفين والفنانين ونفيهم ومنع التعليم واللغة العربية. لكن صدمة الاحتفالات المائوية كانت قاسيةعلى الجزائريين وترتبت عنها ردود فعل عنيفة.

يتحدث كثيرون عن تأسيس جمعية العلماء سنة 1931 كرد على هذا الحدث. لم يكن ذلك هو الرد الوحيد على مائوية الاحتلال الشنيعة. كانت صفعة حركت الوجدان الجماعي للأمة.

كان الشعر نشاطا ثقافيا رائجا يرافقه الغناء والموسيقى بإحياء السهرات والحفلات الفنية. كان الشاعر هواري بو حناني (1902-1948) من أنشط شعراء الجزائر عرف بنظم قصائد الغزل وقصائد المناسبات الاجتماعية والوطنية. من أشهر قصائده (يا ذا المرسم عيد لي ماكان) . ونظرا لنشاطاته العديدة زجت به السلطات الاستعمارية في السجن. وهناك تعرف على حياة السجون ومعاناة المسجونين. خرج بقصائد جديدة من السجن. زادته تجربة السجن عمقا وأعطت لشعره نفسا ثوريا.

أصبح الدفاع عن الرموز الثقافية سببا من اسباب اعتقال الشعراء والفنانين. كتب الهواري حناني قصيدة ذات دلالة خاصة بالنسبة لهذه الاحتفالات مجد فيها الطقوس الاحتفالية واستعمال البارود في المناسبات الاجتماعية ومجد أصحاب البارود أي من يحملون البنادق والمكاحل. لكن المعنى لم يكن خافيا على أحد: الدعوة للمقاومة وحمل السلاح ومواجهة الوضع بالعنف. كانت الأحزاب آنذاك في بداياتها تحاول فرض نفسها  في الساحة كفاعل سياسي ممثل للأهالي ف ظل النظام الكولونيالي المستتب. زجت به السلطات الاستعمارية في السجن وزاد ذلك في شهرة القصيدة.  كانت قصيدة نشازا في ذلك الوقت كانت ذات نغمة حماسية تبعث النشاط والقوة في المحتفلين وأحيانا تأخذ التجمعات شكل رقصات جماعية. لم يقتصر الأمر على الرجال بل كانت تشارك فيها النساء والأطفال ايضا. صار (أصحاب البارود) في كل مكان. قصيدة أشعلت الحماس في جيل بكامله.

شاعت القصيدة وأصبحت تغنى في الأعراس وفي اللقاءات وصار الشعراء يتناولونها في كل حفلاتهم بطلب من الجمهورهم رغم أن كل شاعر يغني قصائدهم عادة. تحولت إلى قصيدة شعبية. وحفظها عامة الناس وأصبحت تردد في أماكن عامة.

أدركت السلطات الاستعمارية دلالة تلك الإشارات في اوساط السكان بعد احتفال صاخب بانتصار المسيحية في أرض الإسلام.  وبعد ان تم اعتقال الشاعر الهواري حناني  والزج به في السجن عملت الشرطة السياسية الاستعمارية على تسريب معاني وأبيات جديدة في القصيدة تتناسب مع جو الأفراح والأعراس لتبعدها عن المعاني الأصلية التي كانت تحملها.

يقول الباحثون أنه خلال فترة قصيرة ضاعت المعاني الصلية واصبح كل فنان يضيف إليها ويعدل في أبياتها لتناسب مقام الاحتفال. لم تعد القصيدة الأصلية معروفة. النسخة المتداولة في الأعراس والحفلات ذات دلالات راقصة زاهية بينما الأصل فيها هي قصيدة ملتزمة بمعايير ذلك الزمان.

هناك نص أصلي وهناك نصوص عديدة. وتفسير ذلك أنه جرى تخريب منهجي للنص الأصلي وتم إغراقه بنصوص أو (لا نصوص) مضادة لتغييبه ومحوه من ذاكرة الناس. لكن الذي جرى هو انه اصبح لكل عصر (صحاب بارود) خاصة به ولكل فئة نسختها الخاصة من ذلك النص الأصل. وأحيانا لكل فنان نسخته الخاصة به. يمكننا الحديث عن نصوص (أصحاب البارود).

والغريب أن الشاعر بقي مجهولا رغم انه كتب أيضا قصائد اخرى منها قصيدة المرسم المشهورة التي يتغنى بها الفنانون ويتدربون على مواويلها لكن لا أحد يذكر شاعرها. وكتب ايضا عن حوادث 8 ماي 1945 بسطيف وخراطة وقالمة. وقلما تتطرق له الدراسات. وإن كان شعراء الملحون يرجعون إليه في أحاديهم ويعتبرونه واحدا من أهم شعراء الجزائر.

في الرابط أدناه نص قصيدة (أصحاب البارود الأصلي). اما النص المشهور للشاب خالد فهو بعيد كل البعد عن روح النص الأصلي للقصيدة.

 

أصحاب البارود والكارابيلة

رافدين البارود وشاعلين لفتيلة

وسيايدنا معولو وراهم عولوا

بغاو يفوّلوا في نهار خصوم

حزامهم تحليلة  راكبين الطويلة

عولوا على القتيلة  في نهار مشوم

اللي بغى سعاية ما يجيش بالهداية

ناضوا للعناية رفدوا كرسوم

عولوا بعمارهم غير ربي معاهم

لا ابطال سواهم   ولايموا القوم

السيوفَ تشعل والبارود لكحل

ما بقى من يحتل الأرض والقوم

من بعد ماية وعام   كنهار بالكلام

لمغافرة بالسلام   والحزن هموم

بالاكِ ما تجيش وانتِ عندك الجيش

والجايج لدحيش يبان مقيوم

اسمك حورية وعزيزة عليا

مومو عينيا والكبدَ مقسوم

اسمك هو الخير مطلوقة كالطير

سلبتِ ذا اليشير عشيقك مفهوم

من ضري شافي انت سور اكتافي

ارواحي ما تخافي  كتابك مرسوم

لا تبطي ارواحي يا قلبي ارواحي

وكثر نواحي  علامك معلوم

بجاه مول القبول محمد الرسول

البشارة ما تطوّل  تهدف اليوم

ماجاش البارح ماجاش اليوم

ظنيتو جايح اداه النوم

اصحاب البارود والكارابيلا

رابط