الرئيسية / اكاديميا / قراءة في كتاب “الشعرية العربية”لادونيس

قراءة في كتاب “الشعرية العربية”لادونيس

الناقد المغربي: د. جميل الحمداوي

أهدي هذا المقال المتواضع إلى الشاعر المغربي المتميز الكبير والمقتدر علي العلوي الذي ظلمته في مقاربتي النقدية الطائشة المتعجلة الجاهلة المنشورة في عدة مواقع رقمية، والتي من خلالها تعلمت من الشاعر درسا لن أنساه في حياتي، وأعترف أمام الجميع بأنني ظلمته ولم أوف حقه تقصيرا وجهلا مني. لذلك أعترف بذنبي، والمعترف به كالتائب منه.يعد أدونيس من أهم شعراء الحداثة في أدبنا العربي الحديث والمعاصر بكتاباته الموغلة في التجريد والترميز والغرابة والغموض، كما يعتبر من أهم نقاد العرب المحدثين الذين قاربوا الثقافة العربية الكلاسيكية والحديثة والمعاصرة من خلال منظور رؤيوي حداثي متميز بالفرادة والأصالة وروح الاجتهاد . ومن أهم دراساته الأدبية والنقدية القيمة كتابه” الشعرية العربية”. إذاً، ماهي القضايا التي يطرحها الكتاب؟ وماهي خصائص الكتاب المنهجية والفنية والأسلوبية؟ وماهي قيمة الكتاب في الساحة الثقافية والنقدية العربية؟ هذه هي الأسئلة التي سوف نكشف عنها القناع في موضوعنا هذا.

1- من هو أدونيس؟

أدونيس هو علي أحمد سعيد من مواليد سوريا سنة 1930م، شاعر وناقد ومسرحي ومترجم وأستاذ جامعي بجامعة بيروت اللبنانية. ساهم بمواقفه ودراساته في تثوير الثقافة العربية الحديثة والمعاصرة و محاولة تغييرها جذريا بكتاباته الحداثية المتجددة والمتمردة عن الثوابت الكلاسيكية المعروفة. كما وضع اللبنات الأولى لقصيدة النثر وتأسيس مجلات حداثية مثل: (شعر وآفاق ومواقف) التي أثرت تجربة الشعر التفعيلي والكتابة النقدية الحداثية بمناهجها البنيوية والسيميائية والتفكيكية. وصارت مجلة شعر التي كانت تصدر في لبنان منذ الخمسينيات(1957)منبرا لكل ماهو جديد ومتحول وحداثي. ولم يكن أدونيس ناقدا وفيلسوفا فقط، بل كان شاعرا ثوريا في مجال الكتابة الشعرية التي أصبحت عنده صياغة فنية جمالية تقترب من الهدم والاختلاف والإبهام والغموض تمتح من التصوف والرمزية والفلسفة الروحية والارتكان إلى الصورة الرؤيا والتغني بحضارة الموت والانبعاث. وتنبني ثقافته على الفلسفة والتصوف والإبداع الشعري والمسرحي والكتابة النقدية والترجمة.ومن أهم أعمال أدونيس نذكر دواوينه الشعرية:دليلة، وقالت الأرض،ومجنون بين الموتى(مسرحية شعرية)،وقصائد أولى، وأوراق في الريح،وكتاب التحولات والهجرة في أقاليم النهار والليل،وديوان المسرح والمرايا، وأغاني مهيار الدمشقي، ووقت بين الرماد والورد، وهذا هو اسمي، ومفرد بصيغة الجمع، وكتاب القصائد الخمس، وكتاب الحصار، وشهوة تتقدم في خرائط المادة، واحتفاء بالأشياء الواضحة الغامضة.، ومعظم هذه الدواوين جمعت في كتاب تحت عنوان” المجموعة الشعرية الكاملة“.ومن أهم دراساته النقدية والأدبية: الثابت والمتحول،وزمن الشعر، والشعرية العربية، ومختارات الشعر العربي،ومقدمة للشعر العربي، وفاتحة لنهايات القرن، وسياسة الشعر، وكلام البدايات،ومختارات من شعر يوسف الخال، وديوان الشعر العربي، ومختارات من شعر السياب … وقد ترجم كذلك مجموعة من المسرحيات الأجنبية كحكاية فاسكو والسيد بوبل ومهاجر بريسبان والبنفسج والسفر وسهرة الأمثال وفيدر. وهذه النصوص المسرحية صدرت في سلسلة من المسرح العالمي التي كانت تنشرها وزارة الإعلام الكويتية ، كما ترجم الأعمال الشعرية الكاملة لإيف بونفوا والأعمال الشعرية الكاملة لسان جون بيرس… وقد حاز أدونيس على عدة شواهد وجوائز كبرى اعترافا بما بذله من جهد جبار في تحديث الثقافة العربية والعالمية، وما قدمه من خدمات جلى للثقافة العربية الكلاسيكية والحديثة والمعاصرة.

2- وصف الكتـــاب:

ظهر كتاب الشعرية العربية في طبعته الأولى في حزيران(يونية) سنة1985م عن دار الآداب ببيروت اللبنانية في (112) صفحة من الحجم المتوسط . والكتاب عبارة عن دراسة أدبية نقدية كانت في الأصل محاضرات جامعية ألقيت في الكوليج دو فرانس بباريس في أيار سنة 1984م. وقد صدرت هذه المحاضرات باللغة الفرنسية سنة 1985م عن دار سندباد في باريس. وقد قدم لها أستاذ كرسي الشعر في الكوليج دوفرانس الشاعر الفرنسي إيف بونفوا. هذا، ويضم الكتاب أربع دراسات قيمة ألا وهي:أ‌- الشعرية والشفوية الجاهلية؛ب‌- الشعرية والفضاء القرآني؛ت‌- الشعرية والفكر؛ث‌- الشعرية والحداثة.

3- قضايا الكتاب الأدبية والنقدية:

الفصل الأول: الشعرية والشفوية الجاهلية:

يرى أدونيس في الفصل الأول بأن الشعر الجاهلي يتميز بخاصية الشفوية، لأنه لم يدون ولم يكتب، بل اعتمد في نقله على الذاكرة والحفظ والرواية من جيل إلى آخر.ومن ثم، فالشعر الجاهلي شفوي قائم على ثقافة صوتية وسماعية. كما نشأ الشعر الجاهلي في بدايته نشيدا مسموعا لامكتوبا، مرتبطا بالغناء والإنشاد والموسيقى التي كانت تعبر عن ذاتية الشاعر وانفعالاته الوجدانية النابضة المتداخلة مع مشاعر الجماعة.وبما أن الشعر سماعي في الشعرية الجاهلية، فقد كان الشاعر يولي أهمية كبرى للسامع، إذ كان يحرص على تجويد شعره و على تحسين قراءته الإنشادية من أجل التأثير على السامع وجذبه وإشراكه في معاناته وتجربته التي يتداخل فيها ماهوذاتي وجماعي من خلال تصوير الحياة الجاهلية بكل قسماتها وأفراحها وأتراحها وانتصاراتها الحربية وهزائمها الدامية. وبالتالي، كانت طريقة التعبير أهم من المقول والمضمون؛ لأن الأذن هي التي تحكم على القصيدة وتقومها سلبا أو إيجابا. وكان الشعر الجاهلي يبلغ وينقل إلى الآخرين عن طريق الإنشاد والذاكرة. ونجاح الشاعر كان مرتبطا بموهبته وقدرته على التبليغ والإنشاد التي تستوجب الصوت وحركة الجسد والموهبة الفطرية في الإفصاح والتبليغ. وقد ارتبط الشعر بالغناء واللحن والموسيقى كما يتجلى واضحا في وحدة الوزن والقافية. وقد أشار أبو الفرج الأصفهاني صاحب كتاب الأغاني إلى صلة الشعر العربي الجاهلي بالغناء والموسيقى.وعلى مستوى الإلقاء، كان من الشعراء من يلقي قصيدته واقفا أو جالسا أو يتزيى باللباس الجميلة أو يشغل أثناء الإلقاء صوته العذب وحركة اليدين وأعضاء الجسد كما كانت تفعل الخنساء. وقد سار الشعراء اللاحقون في محاكاة الشعراء الجاهليين السابقين في ارتداء الملابس الأنيقة والجميلة والظهور في أحسن مظهر. ومن الشعراء الذين كانوا يحسنون الإنشاد نستحضر الأعشى الذي لقب بصناجة العرب وعباد العنبري.وإذا انتقلنا إلى الإيقاع في الشعر الجاهلي، فقد بدأ سجعا ثم أصبح رجزا بشطر واحد أو بشطرين لتكتمل الشفوية الشعرية بالقصيد الذي كان يرتكن إلى الوزن الموحد والقافية التي صارت مقوما جوهريا في الشعر وليس مظهرا زائدا. وقد أضفى إيقاع الوزن والقافية على القصيدة نوعا من التناسق والتنظيم والكمال الصوتي والانفعالي. هذا ، وإن السجع لن يعود مقبولا بعد ذلك في المنظور الإسلامي؛ لأنه يذكر المسلمين بسجع الكهان، وهناك حديث مأثور ينص على ذلك هو:”إياكم وسجع الكهان“.بيد أن هذه الظاهرة البلاغية البديعية ستظهر من جديد في العصور التالية للعصر الإسلامي الأول في الرسائل والخطب والمقامات والكتابة النثرية. وكان السجع المقوم الأساس في إغناء خاصيتي التغريد والغناء في الشعر القديم. ومن يتأمل النقد العربي القديم سيجده مبنيا على الشعرية الشفوية الجاهلية كما يبدو ذلك واضحا في حركة التقنين التي مست جانب النحو والعروض وقضية السماع.أي إن النقد العربي تبنى معايير الشعر الجاهلي باعتبارها قواعد ثابتة وأصولا لا ينبغي انتهاكها كما يمثل ذلك عمود الشعر العربي للمرزوقي الذي لم يشر إليه أدونيس بشكل واضح . ولكن هذا التنظير للشعر الذي تم على ضوء الشعر الجاهلي استوجبه الامتزاج الثقافي بين الشعوب المنصهرة في العراق وخاصة في البصرة(الثقافة اليونانية- الثقافة الفارسية- الثقافة الفارسية- الثقافة العربية…). و ستدفع هذه المثاقفة العلماء للتفكير في التقعيد والتقنين للحفاظ على هوية الشعر العربي وهوية الشاعر وموسيقى الشعر. ونتج عن هذا أن وضع النحو العربي إعجاما وإعرابا من قبل أبي الأسود الدؤلي ونصر بن عاصم الليثي، ووضعت المعاجم اللغوية(معجم العين) من قبل الخليل بن أحمد الفراهيدي . وكان الهدف من كل ذلك هو الحفاظ على القرآن وتفادي ظاهرة اللحن التي تفشت بسبب الحضارة والمدنية وظهور المولدين والموالي. كما كان الدافع إلى وضع علم العروض على يد الخليل بن أحمد الفراهيدي هو تمييز أوزان الشعر العربي من الأوزان الشعرية المعروفة آنذاك( الهندية- الفارسية – اليونانية…). وقد قلنا سابقا إن الشعرية القديمة انبنت على السماع والتأثير على المتلقي. ويعني هذا أن الشاعر كان يراعي أفق انتظار السامع والعرف المشترك والذوق الشائع العام. لذلك صارت الصياغة الشعرية أهم من الأفكار والمعاني والمقول.فطريقة الإثبات والتعبير أهم من مدلولات القصيدة؛ لأن المعاني حسب الجاحظ مطروحة في الشوارع والأسواق، وإنما مدار الشعرية هو اللفظ والبيان التعبيري.وأساس هذا الفصل بين اللفظ والمعنى هو الشعر الجاهلي الذي كان يهتم كثيرا بالصياغة والتجويد الشعري من أجل إرضاء السامع وتلبية جاجياته الوجدانية والعقلية والحركية عن طريق التطريب والتأثير الموسيقي الناتج عن صرامة الوزن ووحدة الروي والقافية. وهكذا أصبح الشعر الجاهلي المصدر الأول للشعر العربي قديمه وجديده ومرتكزا للنقد العربي القديم الذي وضع معايير ثابتة الأصول من أجل تقنين الشعر للحفاظ عليه من الخلط واللحن والتهجين. ويطرح أدونيس عدة أسباب قد تكون وراء هذا التقعيد الذي قيد حركية الشعر العربي وطوقها بقيود الثبات والتأصيل مما أثر سلبا على اللغة الشعرية وعفويتها وروح إبداعيتها التخييلية وطبيعة الكتابة الشعرية التي تخالف جذريا خصائص الشعرية الشفوية.ومن هذه الأسباب: الموانع الدينية واللغوية والقومية والرغبة في الحفاظ على الهوية والخصوصية العربية و حماية هوية الشاعر العربي. ومن ثم، فما مقاييس الخليل العروضية إلا مقاييس أتت لتقيد الإبداع الشعري في نظر أدونيس . وهكذا نستنتج أن النقد العربي القديم كون مقوماته النظرية والتطبيقية اعتمادا على الشعرية الشفوية الجاهلية، وبعد ذلك أصبحت قواعد صارمة ومطلقة يحتكم إليها النقاد في تقويم شعر المحدثين. ونتج عن هذا رؤية واحدة تجاه الشعر وخاصة إلى الشعر الجاهلي، لكن اليوم هناك منظورات نقدية متعددة ومختلفة إلى الشعر الجاهلي . ويعني هذا أن التقنين أساء إلى النقد العربي والشعر العربي معا؛ لأنه لم يصغ إلى الحرية الشعرية والاختلاف الإبداعي. يقول أدونيس:” ونحن اليوم، إذ نقرأ ماضينا الشعري، فليس لكي نرى ما رآه الخليل واللاحقون، وحسب، وإنما لكي نرى ماغاب عنهم ومالم يروه. نحن، اليوم، نقرأ الفراغ أو النقص الذي تركوه. خصوصا أن التقنين والتقعيد يتناقضان مع طبيعة اللغة الشعرية. فهذه اللغة بما هي الإنسان في تفجره واندفاعه واختلافه، تظل في توهج وتجدد، وتغاير، وتظل في حركية وتفجر؛ إنها دائما شكل من أشكال اختراق التقنين والتقعيد. إنها البحث عن الذات، والعودة إليها، لكن عبر هجرة دائمة خارج الذات….إن الخطاب التقعيدي، الواحد، المتواصل، يخفي وراءه صمتا، وغيابا، ونقصا. ونحن اليوم مدعوون إلى ممارسة قراءة لتراثنا النقدي الشعري، تكشف عن الغياب والنقص، وتستنطق الصمت.”.(ص:31-32).

الفصل الثاني: الشعرية والفضاء القرآني:

إذا كان الخليل بن أحمد الفراهيدي المنظر الأول للشعرية الشفوية الجاهلية على مستوى الإيقاع العروضي، والجاحظ هو المنظر لها على المستوى اللغوي وذلك حينما فصل اللفظ عن الفكر وفضل أمة العرب على سائر الأقوام بفصاحة العربية وبلاغتها الرائعة، فإن القرآن الكريم سينقل الشعرية العربية من الشفوية إلى الكتابة وسيخلق حركة ثقافية وإبداعية لانظير لها من خلال ماكتب عن القرآن والمقارنات بين النص القرآني والشعر الجاهلي الذي يمثل طريقة العرب في الكتابة الشعرية الأصيلة. كما أن القران ساهم في بلورة الشعر الحداثي وخلق الكتابة الشعرية الصوفية؛ لأنه كان متناصا حقيقيا في تجويد الكتابة وتعميقها واستوائها فنيا ودلاليا ومقصدية.ومن مظاهر هذه الحركة الثقافية القرآنية ظهور دراسات وكتب تحاول أن تقارن بين القرآن الكريم والشعر الجاهلي على جميع الأصعدة والمستويات اللغوية والتركيبية والبيانية والبلاغية والدلالية لتنتهي في الأخير بأن النص القرآني أفضل بكثير من النص الشعري السابق له؛ لأنه يمثل إعجازا في الفصاحة والبلاغة والتشريع والثقافة على الرغم من أن النظام المعتزلي أعلن أن”نظم القرآن ليس بمعجزة، فإن العباد قادرون على مثله، وعلى ما هو أحسن”(ص41). ومن هذه الكتب نستحضر كتاب أبي عبيدة” مجاز القرآن”، وكتاب معاني القران للفراء ، وكتاب البيان والتبيين للجاحظ، ومشكل القرآن لابن قتيبة، والنكت في إعجاز القرآن للرماني، وبيان إعجاز القرآن للخطابي، وإعجاز القران للباقلاني. ولم تكن الدراسات المقارنة ذات بعد ديني فقط، بل قام بعض اللغويون والنقاد بدراسة النظم القرآني والنظم الشعري الموجود في الشعر الجاهلي كما نجد ذلك في جمهرة أشعار العرب لأبي زيد القرشي، ونقائض جرير والفرزدق لأبي عبيدة، ومعاني الشعر للأشنانداني، وكتاب الصناعتين لأبي هلال العسكري.وعليه، فقد ساهم القرآن الكريم في قراءتين:أ- قراءة تستهدف إثبات طريقة العرب في الكتابة وتحديد مواصفاتها القائمة على عمود الشعر العربي، وهذه الطريقة مهما كانت بيانيتها فإن النص القرآني يتفوق عليها ؛ب -طريقة تهدف إلى الانتقال من الشعرية الشفوية إلى شعرية الكتابة.وقد أصبحنا بعد ذلك أمام نصين نموذجين: نص قرآني يجمع بين الطرح الديني ويقدم تصورا بيانيا جديدا، ونص شعري جاهلي دون مستوى النص الأول يتسم بالفطرة والبداوة والأصالة والطبع والوضوح. وينتج عما سبق أن” النص القرآني كان في هاتين القراءتين، وفي جميع الحالات، أساس الحركية الثقافية الإبداعية، في المجتمع العربي الإسلامي، وينبوعها ومدارها. غير أن القراءة الثانية هي التي مهدت، كما أرى، للنقلة من الشفوية الشعرية الجاهلية إلى شعرية الكتابة. وبهذه القراءة، وفي مناخها صاغ الجرجاني مبادئ الشعرية الكتابية،فيما كان يصوغ نظرية النظم القرآني. وكان قد مهد لها بعض النقاد، خصوصا الصولي(توفي سنة 336هـ).”(ص42).وسيفتح القرآن آفاقا رحبة وواسعة أمام الشعراء لابتداع كتابة شعرية جديدة تمتح من البديع القرآني وفصاحة النظم الرباني بلاغة وبيانا وتصويرا( بشار بن برد،و مسلم بن الوليد، وأبو نواس، والمتنبي، وأبو العلاء المعري، و أبو تمام)، وتأسيس نقد حداثي حقيقي ومنهجي مع الصولي الذي يقدم أول دفاع شبه متكامل عن شعرية الكتابة(طريقة أبي تمام) أو الطريقة المحدثة في مقابل طريقة العرب أو الطريقة القديمة. وتقوم الطريقة الحديثة عنده على ابتكار معان جديدة وتحقيق جودة النص الشعري في ذاته والابتعاد عن معيار الأسبقية الزمنية في التقويم الشعر، و لاننسى كذلك الناقد عبد القاهر الجرجاني صاحب كتابي دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة الذي أسس شعرية النظم والمجاز والغموض. هذا وسيؤسس الصولي كتابة نقدية تنظر لشعرية جديدة تستند إلى المقوماتالتالية:1- الكتابة دون احتذاء نموذج مسبق؛2- اشتراط الثقافة العميقة الواسعة لكل من الشاعر والناقد؛3- النظر إلى كل من النص الشعري القديم والنص الشعري المحدث لا على أساس السبق الزمني، بل على أساس الجودة الشعرية الذاتية؛4- نشوء نظرية جمالية جديدة تعتمد على الغموض والغرابة بدلا من الوضوح والألفة؛5- إعطاء الأولوية لحركية الإبداع والتجربة وتجاوز ماهو عادي ومشترك ومألوف. ويعد أبو نواس خير من عبر في نصوصه الشعرية عن أفق الشعرية الجديدة، إلى جانب أبي تمام على مستوى الكتابة الشعرية، وعبد القاهر الجرجاني على مستوى النقد الذي تحدث كثيرا عن النظم المجازي الاستعاري باعتباره جوهر الشعر وأسه الحقيقي.الفصــل الثالث: الشعرية والـــفكر:في هذا الفصل، يتعرض الكاتب لثلاث نقط أساسية تتعلق بالنقد الشعري العربي والنظام المعرفي القائم على علوم اللغة(نحو- صرف- بلاغة- فقه- كلام…)، والنظام المعرفي الفلسفي.لقد اتخذ النقد العربي القديم الشعر الجاهلي نموذجا يقتدى ومعيارا للتقويم ومحاكمة النصوص الإبداعية ولاسيما المحدثة منها. وكل نص شعري لا ينسجم مع هذا التصور الشعري الجاهلي يرفض ويقصى ويهمش؛ لأنه يخالف طريقة العرب في الكتابة. وهكذا أقصي شعر أبي العلاء المعري وأبي تمام والمتنبي ،لأن هؤلاء الشعراء وحدوا بين الصياغة والفكر، وغلبوا الجانب الفلسفي والتأملي في أشعارهم وصارت كتابتهم غير واضحة، وتخالف الشعرية الشفوية القديمة مادامت ترتكن إلى الغموض والإبهام والإغراب والتعمية الرمزية المجردة. كما يلاحظ أيضا في هذا الشعر ظاهرة الفصل بين ماهو فكري وشعري، أي إن الصياغة أهم مما هو فكري على الرغم من أن النقاد والمؤرخين يعتبرون الشعر الجاهلي مصدر المعرفة والحقائق والعلوم والأخبار إلى جانب كونه شعر إنشاد وتطريب وانفعال. ويعني هذا أيضا أن الشعر الجاهلي بدأ غنائيا وفكريا. وبعد ذلك تنوسي هذا المبدأ ليحاكم الشعراء فيما بعد بالشعرية القديمة القائمة على البيان اللفظي والصياغة الفنية الواضحة.ويذهب النظام المعرفي الذي بني على الدين نفس المذهب حينما فصل بين الشعرية والفكر فصلا قاطعا. فقد كان يدعم التنظير للشفوية الغنائية ويؤكد معاييرها الثابتة وشبه المطلقة. وعلى الرغم من الخطاب الفلسفي الذي أحدث قطيعة ابستمولوجية مع النظام المعرفي الديني والنقدي إلا أنه كان يتواصل معهما عندما فصل هو بدوره بين الشعر والفكر. فهذه الأنظمة المعرفية – إذاً- كانت تنظر إلى ثنائية شعر/ فكر من خلال الاشتقاق اللغوي لكلمة شعر الدالة على الشعور والإحساس والانفعال، أي إن الدلالة الاصطلاحية تناقض الفكر لذلك اعتقد أن الشعر لايمكن أن يقدم المعرفة ولا أن يعطي الحقائق سوى ما يمكن تسميته بالمتعة الجمالية كما يتيحها الدين ويضع حدودها. وعليه، فلقد استندت الكتابة الشعرية الجديدة إلى ربط الصياغة الشعرية بالفكر في وحدة عضوية مترابطة متكاملة وتفجير المكبوتات والتمرد على كل ماهو مقدس والميل إلى فلسفة التحول والشك بدلا من الثبات وتكريس القيم السائدة المحافظة. أي إن الشعرية الحقيقية هي التي يمثلها أبو نواس في شعره الماجن، والنفري في نصوصه الصوفية، وأبو العلاء المعري في أشعاره التأملية ؛لأن هؤلاء طرحوا أسئلة جديدة على الذات والموضوع قصد الاستكشاف والبحث والاستبصار تتعلق بالدين والمحرمات (الخمر) وفلسفة الموت عن طريق ممارسة الشك والتفكيك والإبداع والتثوير وتفجير اللغة والفكر وآليات اللغة ونقد الأنظمة المعرفية السائدة. ومن ثم، فالصورة الشعرية عند هؤلاء كشف وغرابة واستبطان وتأمل شعري حداثي وطرح للأسئلة أكثر من طرح الأجوبة. كما أن الصورة نقل للمكبوت والمجهول والمهمل وتوسيع التجربة والمغامرة.وإذا كانت المعرفة الدينية والفلسفية قائمة على الوضوح والألفة والبحث عن الحقائق النهائية اليقينية وتشكيل عالم منغلق ثابت، فإن المعرفة الشعرية في الحقيقة معرفة مجازية تقوم على الغرابة والغموض و خلق عالم منفتح من خلال لغة صوفية عرفانية غيبية تكون فيها اللغة عاجزة عن البوح كما تثور جهرا وبوحا على المقول الديني ومنطوقاته الظاهرية ( نص النفري) ، أو لغة مجونية متمردة عن الطابو الديني الذي تخضعه للتساؤل والنقد( نص أبي نواس)، أومن خلال لغة تأملية تعتمد على العمق الذهني والتشكيك في الثوابت الدينية وطرحها للشك والريبة والتفكيك( نص أبي العلاء المعري).

الفصل الرابع: الشعرية والحداثةإذا كانت الحداثة الشعرية قد ظهرت حسب أدونيس في القرن الثامن الميلادي مع أبي نواس والنفري وأبي تمام وأبي حيان التوحيدي فإنها ستتراجع مع سقوط بغداد على أيدي المغول، واشتداد حملات الصليبيين وسيطرة العثمانيين على الحكم في مختلف الأقطار العربية. لكن إشكالية الحداثة والتقدم أعيدت من جديد مع عصر النهضة منذ بداية القرن التاسع عشر حتى القرن العشرين. وقد نتج عن النقاشات النهضوية اتجاهان: اتجاه أصولي متشبث بالماضي ويرى أن الحداثة تتمثل في علوم اللغة العربية، واتجاه تجاوزي يرى أن الحداثة في تطبيق منجزات ومكتسبات العلمانية الأوربية. ولكن الثقافة السائدة والمهيمنة في المجتمع العربي كانت هي الثقافة الأصولية لأسباب اقتصادية واجتماعية وسياسية ودينية، ولاسيما أن السلطة تزكي هذا الاتجاه اللغوي والماضوي، وتحارب كل اتجاه علماني غربي يدعو إلى التغيير والدمقرطة والتحديث والخروج عن نظام السلطة الحاكمة.ومن يتأمل الحداثة في جوهرها سيجدها هي خروج عن السائد السياسي والأخلاقي والمؤسساتي. أي إنها خروج عن السياسي والفكري و ثقافة الخلافة ونفي للقديم النموذجي. إن الحداثة حسب أدونيس ثورة وتساؤل ورفض وتحريك ووعي. والحداثة ليست هي الانغماس في الماضي بطريقة سلفية أصولية، وليست انبهارا بمستجدات الغرب التقنية والعلمية، وإنما هي نقد للتراث والبحث عن الجوانب الحداثية المضيئة فيه وغربلة له والاستفادة من العقل الحداثي ومنهجه. أي إن الحداثة موجودة في تراثنا الشعري عند أبي تمام وأبي نواس في الشعر، والنفري وأبي حيان التوحيدي في التصوف ،والجرجاني في النقد. ولكن المثقفين فهموا الحداثة فهما خاطئا مما سبب ذلك في أوهام نجملها في مايلي:1- وهم الزمنية الذي يتمثل في ربط الحداثة الشعرية باللحظة الراهنة ، أي التعبير عن قضايا معاصرة؛2- وهم الاختلاف عن القديم، وذلك بتناول ماهو جديد من الأفكار واختيار صيغ مخالفة للصياغة القديمة دون أن تكون شعرية حقيقية نابعة من الذات؛3- المماثلة مع الغرب ، وذلك بتمثله والاقتداء به لتأسيس الحداثة الشعرية. ويعني هذا أن الغرب هو مصدر الحداثة، فلا حداثة خارج الشعر الغربي ومعاييره، أي لاحداثة إلا في التماثل مع الغرب؛4- التشكيل النثري والمقصود به أن يتمرد الشاعر عن البنية الإيقاعية الخليلية ويتمثل الكتابة النثرية لخلق الحداثة الشعرية، بينما هناك نصوص إيقاعبة أكثر حداثة من القصيدة النثرية، والعكس صحيح أيضا؛5- الاستحداث المضموني كما نجده عند شعراء النهضة كأحمد شوقي وحافظ إبراهيم ومعروف الرصافي، وذلك حينما تناولوا المخترعات الجديدة بالوصف كالسيارة والقاطرة و الثلاجة والطائرة… ويدعو أدونيس إلى كتابة تاريخ حقيقي للحداثة الشعرية العربية ابتداء من القرن الثامن الميلادي حتى القرن العشرين، أي حينما ظهرت مجلة شعر باعتبارها تشكل الحداثة الثانية. ويعني هذا أن هناك حداثتين: حداثة قديمة مع شعراء التحول في العصر العباسي، وحداثة ثانية وجديدة مع مجلة شعر. هذا،وإن الحداثة الشعرية عند أدونيس هي حداثة إنسانية تتجاوز التقني و العلم التقدمي المستقبلي والماضي الأصولي. إن الحداثة هي الزمنية واللازمنية، إنها التحول والإبداع والابتكار والتجديد، إنها نزعة إنسانية قائمة على تفجير المكبوتات واللغة الشعرية وانتهاك الظاهر بلغة الغيب والباطن . إنها الغرابة والغموض والإبهام ولغة الكشف واللانهائي واللايقين والعودة إلى الفطرة الأسطورية والطبيعة الإنسانية.

4- الخصائص المنهجية والفنية والأسلوبية:يتبنى أدونيس في هذا الكتاب الأدبي والنقدي منهجية الشعرية المنفتحة التي تستهدف الكشف عن المكونات البنيوية للشعرية العربية القديمة والحديثة من خلال منظور شعري تاريخي يتداخل مع منهجيات أخرى اجتماعية ونفسية وبنيوية وتفكيكية ونقدية للموروث الشعري العربي الشفوي والكتابي. وتحضر مجموعة من المرجعيات المنهجية والثقافية في كتاب أدونيس كشعرية باشلار ورولان بارت والخطاب الفلسفي الغربي، وخاصة خطاب التفكيك الفوكوي والنظرية النقدية الألمانية والتأثر بكتابات محمد عابد الجابري ومحمد أركون وعبد الفتاح كيليطو وكمال أبوديب وجمال الدين بن الشيخ وعبد الله الغذامي، فضلا عن التيارات البنيوية الغربية بمختلف تياراتها واتجاهاتها واطلاعه الكبير على التراث العربي القديم بحمولاته التاريخية والعلمية والفنية والثقافية .أما عن مميزات الكتابة الأدونيسية في هذه الدراسة الأدبية النقدية فتتسم بتقسيم الكتاب إلى مقاطع نصية مرقمة على غرار الكتابة الشعرية و الشذرية التي نجدها عند الفلاسفة الأوربيين ولاسيما الفيلسوف الألماني نيتشه، كما يستعمل أدونيس أسلوبا وصفيا واضحا يتسم بالشاعرية واللذة والمتعة النصية ، كما تتداخل في قراءته النقدية اللغة الواصفة الموضوعية والكتابة الشعرية الذاتية. أي إن أدونيس يكتب النقد من خلال منظورين: منظور وصفي علمي توثيقي تحليلي ومنظور إبداعي شاعري على غرار كتابة گاستون باشلار في كتابه شعرية الفضاء.ويعني هذا أن كتابة أدونيس عبارة عن محكي شاعري بمفهوم إي? تادييه تعتمد على الفواصل القصيرة والجمل البسيطة ذات النفس الشاعري المتميز بالسلاسة والإفهام. إنه ينقد بالنثر ويكتب بالشعر كما يتجلى ذلك في توظيفه للغة زئبقية شعرية إنشائية وبيانية وصفية ممتعة تطغى عليها الكثافة الانفعالية والتعريف الشعري الانسيابي الناتج عن تدفق الكلمات المتدفقة من الذات والوجدان.> 5- تقويــــم ومناقشـــة:إن كتاب أدونيس في الشعرية العربية له مكانة كبيرة في نقدنا الحديث والمعاصر؛ لأنه يعيد النظر في موروثنا الشعري والفكري وثقافتنا العربية الكلاسيكية بمنظور جديد كما فعل عبد الفتاح كليطو وعبد الله الغذامي. وتتميز القراءة الأدونيسية بالجدية والذكاء والجرأة وطرح ماهو مسكوت عنه ومهمش في ثقافتنا السائدة. كما يتسم الكتاب بتصحيح نظرتنا إلى مفهوم الحداثة والكتابة الشعرية وتحقيب الأدب العربي وإعادة الاعتبار للشعر الصوفي وشعراء الحداثة ( أبو نواس، وأبو تمام، والنفري، وأبو حيان التوحيدي، وأبو العلاء المعري، والمتنبي…).كما أن الكتاب في الحقيقة غني بالمعطيات الأدبية والثقافية والفنية، ودسم بالمعلومات والحقائق النقدية الجديدة المتميزة التي أحدثت قطيعة منهجية ومعرفية في التعامل مع التراث الشعري العربي القديم والتعامل مع الحداثة النهضوية الحديثة. و يؤسس الكتاب كذلك لشعرية نقدية جديدة سيتأثر بها بعض النقاد، ولاسيما تلميذ أدونيس الباحث المغربي الدكتور محمد بنيس في كتاباته الشعرية والنقدية للشعر العربي الحديث والمعاصر.ولكن على الرغم من كل هذا يحصر أدونيس الحداثة في الثابت الديني، أي إن الدين هو عبارة عن عائق ومانع للحداثة الحقيقية ، وأن الشعر الحداثي الحقيقي هو الذي يقوم بالهدم وتفجير الموروثات السائدة والتمرد عن نواميس الدين وتثوير البنية الاجتماعية بالتشكيك في الدين والخروج عن الأصول الثابتة والأعراف الموجودة. لذلك يعد الغموض والمجون والإبهام والتأويل وزعزعة العقيدة والتمرد عن الدين والتشكيك في أصول الأخلاق والقيم السائدة من مظاهر الحداثة الشعرية.ومن ثم، يعتبر أبو نواس زعيما للحداثة الشعرية بسبب مجونه وشعوبيته، بينما على العكس يعتبر حسان بن ثابت رمزا للثبات وتكريسا للشعرية الشفوية المحافظة.أي إن أدونيس يجمع تحت راية حداثته الشعرية كل المتمردين والثائرين والمنشقين والمشككين ليسبغ عليهم يافطة الحداثة. وهذا التصور الغريب ينافي الحقيقة العلمية والتاريخية. فالإسلام لم يكن عائقا أو حجرة عثرة في وجه التقدم الإنساني. لأن الإسلام بني على ثنائية العلم( العقل والتقنية) والأخلاق .فمهما تحضرت أوربا فإن حضارتها مادية كمية لم تهذب أخلاقيا وحضاريا، والدليل على ذلك التوسعات الإمبريالية والاستعمار والعدوان واستغلال الإنسان المعاصر واستلابه آليا ورقميا. ولقد تناسى أدونيس الحداثة العلمية والفكرية التي أنجزت في العصر العباسي وهي حداثة عربية أساسها الإسلام والدين الرباني. كما أن مفهوم الشعر الذي يدافع عنه أدونيس هو مفهوم فني يرتكز على ماهو جمالي شعري بدون التركيز على الوظيفة الحقيقية للشعر. ففي القرآن وخاصة في سورة الشعراء تحديد رائع للشعر والشاعر. فالشعر لاينبغي أن يرتكن إلى المبالغة والكذب والخيال الموغل في الأوهام والشطحات المجردة والانفصال بين القول والفعل. أي ينبغي أن يكون الشعر ذا رسالة صادقة واضحة لا إبهام فيها ولاغموض، ويحمل رسالة التزامية تهدف إلى تهذيب البشرية والدفاع عن الحق وتخدم الإنسان حياتيا وأخلاقيا واجتماعيا. ويعني هذا أن يكون الشعر ذا رسالة نبيلة إنسانية أخلاقية وتطهيرية ترفع الإنسان إلى مراتب الكمال والسعادة الحقيقية. فكيف يعقل أن نعد شعر أبي نواس في المجون والخمر شعرا حداثيا؟!وكيف نعتبر شعر أبي العلاء المعري الذي يشكك في العقيدة شعرا؟! وكيف يعقل أن نقبل الهدم من أجل الهدم أساسا للشعرية الحقيقية؟! فالهدم في منظورنا يستوجب البناء والإصلاح وتحقيق التقدم وإسعاد الإنسان، وإلا فذلك الهدم سواء أكان فنيا أم ثقافيا ماهو إلا من أجل الهد والتخريب العشوائي العابث. أما الحياة فليست لعبا أو مجونا أو فنا فقط، بل هي رسالة إعمار وتشييد لحضارة الإنسان في الأرض مادام خليفة لله فيها. إن أدونيس في هذا الكتاب يدافع عن نفسه ويعطي المشروعية لشعره الغامض الذي خرج فيه عن مميزات الكتابة الشعرية الواضحة والمفهومة والتي تمتاز بالتموسق الإيقاعي والانسجام المألوف. إن أدونيس يتحامل على الدين ويعتبره ثابتا لاينسجم مع الحداثة الشعرية الحقيقية. ويحصر الشعر في اللعب الفني والتعقيد والتجريد المبهم. وإذا كان القرآن وهو أسمى النصوص كتابا واضحا في أروع بلاغة وفصاحة وبيان، فلماذا نريد أن يكون الشعر لغزا محيرا وطلسما معقدا حتى أصبح قراء الشعر يقلون يوما عن يوم، فبدأت الدواوين الشعرية تتكدس في المكتبات دون أن يبحث عنها أحد ماعدا النصوص المتميزة الجيدة التي نجحت في خلق تواصل حميمي مع القراء.خاتــــمة:وبناء على ماسبق، يمكن القول: إن كتاب أدونيس” الشعرية العربية” هو امتداد لكتاب الثابت والمتحول وتلخيص لأفكاره وقضاياه. وعلى الرغم من تصوراته الحداثية والجديدة، إلا أن هذا الكتاب مثل صنوه الأول يحمل أطروحات التشكيك والطعن في الثابت الديني باعتباره عائقا جوهريا أمام الحداثة الشعرية العربية الحقيقية. ومن ثم، فالكتاب يحاول أن يعطي الضوء الأخضر لممارسته الشعرية التي لقيت ردود فعل كثيرة من المبدعين والنقاد باعتبارها كتابة غامضة ومبهمة لايفهمها إلا القليل من المثقفين في الوطن العربي.

المصدر: مجلة أقلام