الرئيسية / قراءات جديدة في فكر “ألبير كامو”

قراءات جديدة في فكر “ألبير كامو”

د. نعيمة حاج عبد الرحمن

نظم مكتب ولاية الجزائر التابع للجمعية الجزائرية للدراسات الفلسفية، اليوم 26 جانفي 2016 في المكتبة الوطنية الجزائرية بالقاعة الزرقاء، ندوة فكرية نشطها كل من الدكتور محمد لخضر معقال والدكتور سليم حيولة وأدارها الدكتور عمر بوساحة.
افتُتحت الندوة بمحاضرة الأستاذ محمد لخضر معقال الموسومة “الحقبات المختلفة في فكر ألبير كامو”.
بداية، صحح أ. موعقال خطأ شائعا بين المثقفين مفاده وجوب تدريس كامو ضمن الأدب الجزائري المفرنس الذي يُعدّ وليد مدرسة الجزائر (L’Ecole d’Alger). يرى أ. معقال أن هذه المدرسة كان لها علاقة بالاستعمار الذي كان يموّلها، بينما كامو كان مناهضا لذلك شئنا أم أبينا.كاموو
بعد هذا التوضيح/التصحيح، أعلن أ. معقال أن فكر كامو يتضمن ثلاث حقبات :
– الحقبة الأولى أو حقبة الانسجام، في الثلاثينيات من القرن العشرين. عالج فيها كامو قضية الهوية ونادى بنشأة هوية جزائرية l’algérianité. للبرهنة على هذه الأطروحة، ركز أ. موعقال على مذكرة تخرج كامو (DES) والتي قدمها في الجزائر عام 1935 عنوانها Le néoplatonisme chez saint Augustin. قبل التحليل، أشار أ. موعقال إلى أنه إذا لم نقرأ هذا العمل الكاموزي جيدا فلا يمكننا فهم هذا الرجل أو الادعاء أننا قرأناه. يطرح كامو في هذا البحث إشكالية الهوية. كيف تتكون الهوية ؟ هل هي جوهرية ؟ الفيلسوف، يعلق أ. موعقال، لا يؤمن بالجوهرية L’essentialisme. الفيلسوف يؤمن بالتطور. لذلك، نفهم لماذا اختار كامو شخصية القديس أوغسطين كموضوع لبحثه. لأن هذا الأخير، ابن الأرض الجزائرية، الذي نشأ في منطقة تتكلم الأمازيغية، وكان في بداية حياته، محبا للحياة، و درس عبر لغتين : اللاتينية (لأنه اعتنق الدين المسيحي فيما بعد وهي اللغة التي منحته الحس الديني) واليونانية القديمة (التي منحته عقلانية أفلوطين)، والذي أصبح فيما بعد من قادة الكنيسة، هو المثل الأعلى لمفهوم الهوية بمعنى التطور، وهي الأطروحة التي يدافع عنها كامو في مذكرة تخرجه.
في هذه الحقبة، كان كامو يدافع على تسوية وضعية الأهالي الجزائريين وإدماجهم في المجتمع، ليس بشكل هامشي بل بشكل مركزي يتحصلون فيه على كافة حقوقهم. هكذا، انتهت الحقبة الأولى من فكر كامو (حوالي 1941-1942) حينما تقلد منصب أستاذ فلسفة بمدينة سيدي بلعباس.
– الحقبة الثانية أو حقبة الوعي بضرورة الكفاح :قبل الولوج في تفاصيل هذه الحقبة، قدم الدكتور موعقال أطروحته، التي قال إنه يقدمها لأول مرة أمام الجمهور : “أنا على يقين أن كامو قد اطلع على كتاب مهم جدا في أربعينيات القرن العشرين هو كتاب انحطاط الغرب لشبنغلر”، الذي مفاده أن الحضارات، كل الحضارات، تنحط وتزول. الأمر الذي جعل كامو يتساءل : إذا كانت الحضارات تفنى فلماذا نتجنّد نحن من أجل هذه الحضارة غير العادلة ؟ وذلك بالضبط ما أدّى إلى نشوء فكرة العبث عنده واكتشاف البعد العبثي للحضارة. نتج عن هذه الفكرة (العبث) أمران : إلغاء ضرورة الدفاع عن حضارة الغرب؛ وإعادة النظر في المبادئ الأساسية التي تقوم عليها الحضارة كمبدأ العدالة والمساواة والقانون والإنسانية والتفتح والرقي. فكل ذلك، حسب شبنغلر، مجرد سفسطة. هو انزلاق الحضارة الغربية التي تهتم بالمادئ عوض اهتمامها بالقيم الأخلاقية. في هذه الفترة سيهتم كامو بروح العدالة والكيفية التي يتعامل المستعمر معها. وعليه، سيكتب روايته الأولى L’étranger، موضحا أن مطلب العدالة في النظام الاستعماري هو مجرد وهم.
في هذه الفترة، تنبه كامو إلى أمر في غاية الأهمية يخص موقف الأهالي الجزائريين خلال الحرب العالمية الثانية: يفكر الجزائريون، الذين يعتبرهم الفرنسيون همج متخلفين، أفضل من كثير من الفرنسيين حينما كانوا في قبضة الجرمان، بخصوص قضية الحرية والتحرير.
خلال هذه الحقبة، ساند كامو حرية الجزائريين والفضل في ذلك يرجع إلى قراءته لفرحات عباس بحيث تبني أفكاره. وعليه، طالب كامو سنه 1945 بحق الجزائريين في الاستقلال مع شرط التحالف مع فرنسا في إطار نظام فيدرالي.
– الحقبة الثالثة أو حقبة الإحباط، تمثلها رواية La chute سنة 1956. لخص أ. موعقال هذه الحقبة في الندوة التي ألقاها كامو في نادي الترقي الموسومة نداء من أجل الحفاظ على الحياة تحت إشراف رئيس الجلسة السيد فرحات عباس وبحضور الشيخ العقبي وبحراسة مشددة من جبهة التحرير الوطني. هُدّد كامو خلال هذه الندوة من طرف اليمين الفرنسي المتطرف فأصيب بصدمة وكان نتيجة ذلك خيبة أمله بخصوص القضية الجزائرية.
هكذا، قدّم أ. موعقال فكر كامو في ثلاث لحظات أساسية تلا هذه المحطات صمت غريب في حياته الفكرية، يقول عنه كامو :
« Je suis arrivé à une stérilité intellectuelle. »

معقال

بعد محاضرة الأستاذ موعقال، أخذ الكلمة الأستاذ سليم حيولة ليلقي محاضرة عنوانها “من العبثية إلى الإنسان الأول”.
نبه د. حيولة، منذ البداية، إلى الشروط التي ينبغي توفرها لقراءة فكر ألبير كامو قراءة موضوعية :
– لا بد من دراسة الأعمال الروائية وتأويلها ؛
– لا بد من دراسة المراسلات Les correspondances ؛
– لا بد من دراسة المقالات ؛
– لا بد من الإحاطة بالسياق الذي كتب فيه أو تحدث فيه كامو … .
دافع كامو على فكرة الجزائر فرنسية في إطار فيدرالية تابعة لفرنسا. كان ضد استقلال الجزائر في بعض الأحيان لأنه كان يعتقد أن هناك قوة أخرى ستحل محل فرنسا لو تحصلت الجزائر على استقلالها.
أشار أ. حيولة إلى العلاقة المضطربة بين كامو وسارتر . وعن شهادة هذا الأخير الإيجابية في حق كامو حينما سئل فيما إذا كان كامو سيمضي بيان ضد التعذيب في الجزائر (4 جانفي 1960)، إن كان ما زال على قيد الحياة.
أثار أ.حيولة موقف إدوارد سعيد بخصوص كامو حين وصفه بأنه كان يملك حساسية استعمارية متأخرة مؤكدا أن كامو كان ضد استقلال الجزائر. لاحظ أ. حيلولة أن إ. سعيد لم يكن ملمّا بكل مدونة كامو وذلك ما ينقص من قيمة وأهمية دراسة إ. سعيد نفسه.
في الأخير، تطرّق أ. حيولة إلى رواية كامو غير المكتملة Le premier homme، والتي تعتبر رواية سياسية بامتياز ونوع من التوبة من طرفه تجاه الجزائريين والتي يقول فيها :
La justice peut parfois être du côté des barbares [les étrangers] que du côté de Rome [la France].
وانتهى الأستاذ حيولة بالفكرة الآتية : كامو في حاجة إلى دراسة وقراءة واعية لفهم “مسألة كامو”.

نضرب لكم موعدا يوم 09 فيفري 2016 في المكتبة الوطنية الجزائرية بالقاعة الزرقاء للاستماع إلى الدكتورة ربيعة جلطي والدكتورة خديجة زتيلي : في الخطاب النسوي العربي: تكريماللكاتبة فاطمة المرنيسي.