الرئيسية / الرئيسية / بين غيابين: النصوص الأدبية في مناهج التربية

بين غيابين: النصوص الأدبية في مناهج التربية

عاشور فني

 

 

 

 

 

 

لنتاملْ هذا المقتطف من “ميثاق الجزائر” 1964:

“..لا بد من تبسيط وتعميق محتوى الاشتراكية في مستوى النشاط الفكري للبلاد (آداب وفنون إلخ) بشكل يكيف نهائيا عقليتنا” …”كما يتعين الإلحاح بشكل خاص على أهمية التعليم في كل المستويات كأداة للتكوين الإيديولوجي وذلك ما يحتّم مراجعة ثورية للبرامج الموروثة عن الاستعمار والرأسمالية”…

هذه الفقرة من ميثاق الجزائر تمثل الأساس الفلسفي والإيديولوجي لتسييس الفكر بل الثقافة برمتها وأدلجة التربية والتعليم. لاحظ عبارة (آداب وفنون إلخ). يبين ذلك مستوى ال”أهمية” التي يعطيها الفكر السياسي آنذاك للفكر والثقافة في البرنامج. أما الاهتمام الأساسي للمنظر فنركز على المنظومة التربوية بكل مستوياتها. ويمثل هذا الأساس الإيديولوجي قاعدة لكل التغييرات اللاحقة: فلكل مرحلة سياسية خياراتها التي ستعمل على تبليغها عبر نفس القناة: النشاط الفكري(آداب وفنون إلخ) والمدرسة. هكذا يتضح لماذا تكون المدرسة فضاء للدعاية أكثر منها للتربية والتعليم والثقافة (فنون آداب إلخ) مادة تعبوية بعيدة عن الفن والجمال. تلك هي القاعدة الإيديولوجية التي انطلقت بها الحياة الفكرية في جزائر الستينيات بمشاركة الأسماء المعروفة  آنذاك وبمشاركتها.

وبما أن الجزائر خرجت لتوها من الحقبة الاستعمارية التي تتميز بضعف الإنتاج الأدبي كما فقد اتجهت السلطات إلى استيراد البرامج والخبراء الذين يضعونها وحتى استيراد الأساتذة من المشرق أو من فرنسا ذاتها. ومن حسنات التخلف أن أولئك الخبراء وضعوا تحت إشراف سياسي فطن يحرص على تحقيق أهدافه رغم جهله بالوسائل فيترك العمل التقني للكفاءات. كانت الكتب المدرسية تستورد من لبنان ومصر وتونس وفرنسا لتلبية حاجات التعليم الملحة. نفهم بسهولة غياب النصوص الأدبية الجزائرية من برامج المدرسة.

وفي بداية السبعينيات وضعت البرامج التربوية من قبل مفتشين وتربويين كانوا يشرفون على لجان البرامج والمناهج التعليمية في كل المستويات وكانت تسود نظرة تبدو شاملة يغلب فيها الجانب التربوية التعليمي رغم أنها لا تخلو من مسحة سياسية إيديولوجية. وبعد أن تراجعت الوظيفة التعبوية للمنظومة التربوية مع انطلاق المشروع التنموي جاءت الوظيفة التنموية التي تغلب الخيار التكنولوجي والعلمي وتسببت في تراجع النصوص الأدبية والفلسفية على حساب المحتوى التقني والعلمي. ومع ذلك وصلت إلى تلاميذ تلك الحقبة نصوص راقية من آداب الشرق والغرب تربى عليها أجيال من المتعلمين باللغتين العربية والفرنسية فقد كان التعليم منسقا في شعبتين معربة ومزدوجة.

وفي مراحل تالية سادت خيارات تربوية أخرى تم تسويقها عن طريق الإعلام والثقافة والمدرسة. منها النزعة الفرنكوفيلية التي تبجل كلما يأتي من وراء البحر فتقحمه في البرامج أو تحاكيه والنزعة الوطنياتية التي تحصر على وجود الجزائر في ثورة التحرير والنزعة العروبية التي تحصر الفكر والثقافة في التوجه العربي الإسلامي والنزعة الإسلامية التي ربطت العربية بالدين والثقافة الإسلامية وأخيرا النزعة الليبرالية التي جعلت السوق وقيمها مقياسا لكل القيم وطمست بالتالي كل الخيارات الفلسفية والثقافية والجمالية في النصوص الأدبية وغلّبت القيم المبتذلة: تمجيد الذات وتقديس السلطة والرفاه المادي وتغييب العقل ومنع المساءلة وبث روح الاستكانة والاطمئنان إلى الواقع والرضى بالحد الأدنى من كل شيء.

بعد كل هذا بقي أن ننظر إلى الجماعات التي تموقعت في المدرسة كإستراتيجية سلطوية وإلى لجان وضع البرامج الأدبية المشكّلة في معظمها من لغويين هاجسهم الأساسي صحة القاعدة اللغوية لا التذوق الجمالي ولا تكوين الذائقة الأدبية ولا ترقية الثقافة الفنية.  وبين تزمّت التربويين المعروف وتقعّر اللغويين يمكننا أن نظفر بطرح سؤال وجيه: ما هي الوظيفة الموكلة للنص الأدبي في المناهج التربوية في المدرسة الجزائرية؟ هل النص الأدبي مجرد سند لغوي أم مستند فكري؟ وكيف يمكن أن تكون له وظيفة جمالية؟ وما حظ النصوص الأدبية الجزائرية في التواجد في البرامج التربوية؟ ومتى يصبح تدريس الأدب هدفا بذاته لا شاهدا على سلامة القاعدة اللغوية أو القاعدة الخلقية؟

تذكروا سخرية بومدين في السبعينيات من عربية الغراميات والبكاء والنحيب وتفضيله عربية مركب الحجار ومعامل التكرير في سكيكدة. وبعدها سخرية سلال في سنة 2013 من الأدب والعلوم الإنسانية لصالح العلوم الدقيقة كلها وأثبت انه ما زال إلى الآن-وهو المفرنس- يحفظ بيت شعر كان تلاميذ الأقسام العلمية المفرنسة في السبعينيات يسخرون به من تلاميذ الأقسام الأدبية:

غير مجدٍ في ملتي واعتقادي..

رابط ملحق المعنى

 

الأدب الجزائري في المنظومة التربوية