الرئيسية / اكاديميا / عودة الشعر / عودة الإنسان إلى نفسه

عودة الشعر / عودة الإنسان إلى نفسه

عمر بوساحة

تحية إكبار للأصدقاء في جمعية ” بيت الشعر “
الإنسان كائن شاعري بطبعه، والشعر في ثقافة الإنسان هو البداية والأصل، إنه يمثل نسيج الوجود وحقيقته، وبدون وعي بذلك سيستمر الإنسان في تيهه واستلابه، كما هو حاصل لنا ولإنسان العصر بعامة، إنسان ضاع منه معني الحياة ودفء الوجود، فتحول إلى آلة في عالم إكتسحته ثقافة التكنولوجيا والإستهلاك، فأصبح وبقية أشياء العالم سواء.
تعرفت البشرية على تاريخها القديم من خلال الشعر والأساطير. وحينما تحول الفكر إلى الفلسفة لم يستطع أفلاطون الذي عادى هوميروس في العلن أن يتخلص من الشعر، فجاءت محاوراته في مجملها طافحة بالمشاعر والجمال. وجعل أرسطو مؤسس المنطق من الشعر فطرة إنسانية فلا سبيل عنده الى طرد الشعراء من البلد كما أراد ذلك أستاذه أفلاطون طالما أننا قد تأكدنا أن المحاكاة لصيقة بالطبيعة الإنسانية. وبالمثل كانت محاولات بعض فقهاء الدين، فقد عجزت تلك المحاولات على حجب الشعر من حياة البشر باعتماد بعض النصوص الدينية مثيل “والشعراء يتبعهم الغاوون…” حينما انتبهوا إلى أن الرسول نفسه وأصحابه كانوا من حفظة الشعر ومتذوقيه وكذلك مستعمليه، وحينما لم يقدروا على مقاومة تدفق الشعر سيالا فترة الحضارة العربية الإسلامية.
بدت مشروعية الشعر وأهميته بوضوح أكبر في وقتنا الراهن حينما نبَه الفيلسوف الألماني الشهير مارتن هيدغر وغيره إلى أن ماهية الفكر والوجود تعاش بوصفها تجربة شعرية. فلم يعد الشعر والحالة هذه جنسا من أجناس الأدب والفنون، ولم تعد دراسته نقدا وتقويما لموضوعاته وأغراضه، بل أصبح قضية أنطلوجية ووجود، فقد حوَل هيدغر أسئلة الفلسفة الأساسية إلى أسئلة في الشعر، فالشعر رهاننا من أجل تحرير الانسان من حالات التيه والتشيؤ والاغتراب التي طالته جراء هيمنة حضارة الإستهلاك والتكنولوجيا المتقدمة، فلا مفر من استدعائه والإشتغال عليه.
وهو الهدف الذي من أجله تأسست “جمعية بيت الشعر” كما أعلنت عن نفسها، والتي ظهرت الى النور بجهد شخصيات كبيرة وجادة في الساحة الشعرية الجزائرية، فتهانينا لأصحابها، متمنيين لهم الشجاعة والصبر في مقاومة هذا النسيان الذي تراكم وغيَب الشعر لعقود، وحجب عنا حقيقة الحياة وجمالها.