الرئيسية / الرئيسية / عصابة الرِّواية/عصابة الشِّعر

عصابة الرِّواية/عصابة الشِّعر

محمد الأمين سعيدي



 

 

فلتعذرْني يا صديقي القارئ على هذا التوصيف الموجود في العنوانِ أعلاه، وليعذرْني كلُّ روائيٍّ وشاعر حقيقيين، ولتعذرني الرواية وهي ملحمة اليومي وحكاية الكائن، والقصيدةُ باعتبارها النفَسَ والقبسَ وإمكانَ القبض على أكثر اللحظات تفلُّتًا من يد الإنسان وجيوب الزمن. لكنِّي أستعين بمفردة”عصابة” لأصفَ ما يحدث في الأدب الجزائريِّ خاصة، وفي الأدب العربي بشكلٍ عامٍّ لأنَّ حال المشهد العربي يكاد يكون متشابها جدا لتشابه النكد والبؤس والانتماءِ العميقِ إلى خارطة التخلُّف. فنمط الحياة يؤثر بشكلٍ كبيرٍ في حركة الإبداع، وينعكس عليها سلبا وإيجابًا بحسبِ مستواه واندراجه أو عدم اندراجه في اللحظة الكونية التي يعيشها العالم. وإذ أقول “حركة الإبداع” أعني بها الأنشطة والملتقيات والندوات، أي كل ما هو خارج النص من سياقات ثقافية، لأنَّ الإبداع الحقيقي دوما يرتقي فوق ظروفه وبيئته وزمانه، ويكفينا مثالا الأعمال المبهرة شعرا ورواية ومسرحا التي أنْتجتْها دول عالقة في حفر الفقر والتخلف.
يحدثُ ضمن هذا الواقع أنْ تشعر وأنت تكتب وتقرأ أنك محاطٌ بعصابةٍ تضمُّ نوعيْن من الأشكال البشرية المعقّدة التي تسمّى كُتَّابًا؛ النوعُ الأوَّلُ هو المستفيد من ريع الثقافة(ريع الثقافة، وأتعاب المثقف التي ينالها عن كتبه ونشاطاته شيئان مختلفان)، ولذلك تمثِّل الكتابة بالنسبة إليه المالَ، أمَّا الجمال والفن فلا يهمَّانِ إلا من جانبٍ “اقتصادي ربحيّ”، وإذْ تحكِمُ هذه الفئة يدها على كل شيء تحوِّل الثقافة إلى تجارة. ولكيْ لا نقع في التعميم نستثني أسماءً قليلة تشرف على النشاط الثقافي بصدقٍ وحرقة، وهؤلاء قليلون جدا مقارنة بالعدد المهيب من إقطاعيي الثقافة. أما النوع الثاني فهو الأسماء الأضعف نصًّا والأقوى حضورا ومشاركة، وقد وجدتْ لها مكانها بسبب شيوع الرداءة وتسييس الثقافة واتخاذها وسيلة لا غاية، فتحوّل بعض المثقفين إلى مرتزقة ينتجون ما يجلب المال سواءٌ لجهاتٍ سياسية وحملات انتخابات(مثال الكتاب والفنانين المساندين للرؤساء والأحزاب صار موضة المرحلة العربية الراهنة)، أو لجوائز معينة، حتى تحوّل بعضهم إلى صائدي جوائز، ووصلْنا إلى الكتابة على المقاس.
لماذا عصابة الرواية؟ لأنَّ كثيرا من روائيينا، خاصة الذين لهم يدٌ في المشهد، يغلقون الباب في الرواية على المبدعين باستثناء أتباعهم وأذنابِهم، ويعلنون حربا غير مبررة ولا معقولة على الشعر. الشعر في الجزائر يختنق لأنّ كل روائي من هؤلاء يستمتع صباح مساء بالإعلان عن موت الشعر، ويسعى واقعا لإقصائه من الحضور، وكأنه بهذا يجد العزاء لنصوصه التي تولد ميْتة بها من تشوّهات اللغة ما ينتبه إليه القارئ العاديّ محدود المعرفة اللغوية. وفي الوقت ذاته يتحوّلون إلى لوبيات، ولك أنْ تنتقد واحدا منهم فقط ليحيط بك القطيع، والجميع يعرف ما يحيط بـ”الروائي الكبير”من أتباعٍ يأتمرون لأمره ويغضبون لغضبه ويمرضون نيابة عنه.
لماذا عصابة الشعر الآن؟ لأنَّ كثيرا من المحسوبين على الشعر، أولئك الذين يفعلون بالفاعل ما يُفعلُ بالمفعول به، أسسوا لهم حزبًا يحاربُ كل أنواع القصيدة باسم الحداثة وما بعد الحداثة، وهم لا يعرفون ما تحتمله اللغة وما لا تحتملُه. ولكيْ لا نظلم أحدا، فلقد وجدوا لهم مكانا في المشهد بسبب الرداءة المتفشية، وأيضا بسبب بعض الكتّاب”الكبار” الذي يعشقون تجنيد الأتباع.
في الجزائر يوجد صراعٌ إيديولوجي بين الأجناس الأدبية، وهو جزءٌ من صراعٍ أكبر عربي لا يخفى على أيِّ متابع للثقافة العربية حريصٍ على مستواها. وإذ أعتبره مؤدلجا فلبعد خلفياته عن غايات الأدب التي نجملها في الجمال والحب والخير. أقول هذا لأنّ أكبر شعراء الجزائر وروائييها مهمشون، وربّما أغلبهم اختار العزلة لعزة في النفس وكرامة تُكْبِر الإبداع فتجعله بعيدا عن وسطٍ تحرّكه المصالح والكراهية لدرجة أنْ يشعر الإنسان فيه بالاغتراب والحزن. هل نتكلم عن صورة المثقف التي شوّهها هؤلاء القوم؟ آآآآه يا صديقي القارئ، لقد امتلأ القلبُ وستنفجر شرايينه، ما تبقَّى أنتَ تعرفه وتراه/

رابط المقال على صفحة الشاعر محمد الأمين سعيدي