الرئيسية / الرئيسية / خديجة زتيلي وراهن الفلسفة

خديجة زتيلي وراهن الفلسفة

الباحث حسين بوسوفة

د.خديجة زتيلي

استضاف المنتدى الثقافي الجزائري يوم 21 ديسمبر 2020 الدكتورة خديجة زتيلي من أجل أن تشارك المنتدى تجربتها الإبداعية، ولقد أدار النقاش الدكتور عبد الله العشي، حيث افتتح الجلسة بتقديم اعتذاره عن تأجيل الندوة من السبت إلى الاثنين، وهذا راجع إلى سبب تقني، تم التعامل معه بفضل مجهودات أعضاء المنتدى، ثم انتقل إلى تقديم سيرة موجزة عن الدكتورة خديجة زتيلي، والتي تشتغل أستاذة فلسفة بجامعة الجزائر، ولقد تحصلت على دكتوراه دولة في الفلسفة عام 2005 تخصص فلسفة معاصرة.اشتغلت الدكتورة كثيرا على نصوص الفلسفة اليونانية والفلسفة الحديثة ، أما حاليا فهي تهتم بفلسفة القيم في الفكر الغربي المعاصر وبالكتابة النسوية بشكل عام، وتحديدا بالكتابة الفلسفية النسوية، إضافة إلى اشتغالها على بعض النصوص العربية المعاصرة المتعلقة بقيم العدالة والتنوير، وسلطت الضوء تحديدا في أعمالها على مساءلة النصوص التراثية والدينية، وتعلقت دراساتها بالبحث عن تفسير سبب تهميش النساء في الحقل الفكري والسياسي، من مؤلفاتها كروتشي والنزعة التاريخية المطلقة، أفلاطون المعرفة السياسة المرأة، في دروب الفكر والكتابة، الأخلاقية التطبيقية جدلية القيم والأخلاقيات الراهنة للعلم، سؤال الحداثة والتنوير بين الفكر العربي والفكر الغربي وهو عمل جماعي،وغيرها من الأعمال، و تشتغل حاليا أمينة عامة في الجمعية الفلسفية الجزائرية. بدأت الدكتورة زتيلي المداخلة بشكر كل الأعضاء والمتابعين، وأثنت عليهم، لتتوقف بعدها على العنوان الذي وضعته وهو(الفلسفة والفضاء العام من الصرامة الأكاديمية إلى مواضيع الحياة والراهن)، وقالت أن اختيارها لهذا الموضوع تحديدا يرجع إلى أهميته في النقاش الدائر اليوم حول جدوى الفلسفة، وطبيعة موضوعاتها في عالمنا المعاصر، هذا العالم الذي لم يعد يشبه ما قبله ولن يشبه ما بعده كذلك، وهذا بمنطق التاريخ وسيرورته، كما أكدت أنها ستحاول الوقوف على هذا الجدل من منظورها الفكري ومن تجربتها في الميدان.قالت الأستاذة زتيلي أن البحث تنامى نحو تجديد المواضيع الفلسفية، وتجلى هذا تحديدا من النصف الثاني من القرن العشرين، حيث كان لزاما على الفلسفة أن تواجه الفكر خارج أطره الكلاسيكية، وتنجز مهام جديدة عكس ما اعتاد عليه الفكر من قبل، كما أن الفلسفة اليوم لابد أن تتفاعل مع مختلف القضايا العلمية والأخلافية الشائكة،التي أفرزها تقدم العلم وكذلك التطور الإعلامي، هذا الذي جعل من العالم قرية صغيرة. صار البحث الفلسفي اليوم يرتكز حول مسائل أخلاقية متعلقة بالإنسان، وهذا بغية فضح خروقاته العلمية، فبعدما ساهمت العولملة في تغيير حياة الناس ووجودهم ومستقبلهم، أصبح الاهتمام بالراهن لا يغيب عن المشهد الفكري المعاصر، فقد عزز السياق التاريخي وحاجيات المرحلة ظهور أنماط جديدة من الفكر، هذه الأنماط التي راحت تتفاعل مع ما يجري من حولها من تحولات عميقة على مختلف الأصعدة.اشتبكت الفلسفة مع قضايا كبرى جدالية مثل الأخلاقيات التطبيقية بفروعها، واتصلت أكثر بالحب ومآزق الإنسان و الهندسة الوراثية و موضوع الإجهاض من منظور الدين والقانون والتربية، كما صارت تعالج تضخم الذاتية والأنانية التي تقلص دور الأسرة.لقد ظهرت فروع فلسفية واكبت هذا العصر مثل الفلسفة السينيمائية، الفلسفة والقانون، والفلسفة والفنون، وتقاطعات الفلسفة والأدب، وفلسفة القيم و الأخلاق، إضافة إلى الوقوف حول فلسفة المستقبل، والفلسفة السياسية، وفلسفة مابعد الحداثة، والفلسفة النسوية. اعتبرت الدكتورة زتيلي أن الفلسفة النسوية ازدهرت منذ ستينيات القرن الماضي، كما راحت الفلسفة تسائل التاريخ الذي كتب بشكل ذكوري، ومن هنا دعت هذه الفلسفة إلى إعادة النظر في هذا التاريخ من أجل كتابته بشكل إنساني. لقد خرجت الفلسفة في السبعين سنة الأخيرة إلى الفضاء العام، باحثة عن عزاء جديد لها وللإنسان كما ذكرته الدكتورة، حيث راحت تقترب من الشارع ومن الناس كي تلتمس همومهم، حتى أصبحت فلسفة اليوم تمنح حرية التعبير للجميع، وتفتح مختلف النقاشات التي لطالما كانت حبيسة قاعات الدرس المغلقة، وهذا ما بعث الأمل في الفلسفة وعزز من مكانتها ومن بقائها، وأكدت هذا السيرورة التاريخية التي لطالما رفضت أن تبقى الفلسفة حبيسة بين جدران أربعة. وقع جدال حسب الأستاذة خديجة زتيلي بين فئتين، الفئة الأولى ترى بأن الفلسفة الكلاسيكة هي الأرقى كونها ثابتة، و فريق ثاني يرى أن النزعة الجديدة للفلسفة هي مفتاح بقائها، وقد دعا هؤلاء الجدد إلى الابتعاد عن الفكر التقليدي كون أن هذا العصر حسبهم يحتاج إلى فلسفة جديدة، ولكنهم رغم هذا لم يقصدوا التضحية بالقدماء، نظرا لأن أفكار القدامى حسبهم لا تزال قائمة ويرددها الناس في الشارع والمقاهى والأسواق…إذ في كل مرة نجدهم يستدعون أفلاطون والكندي و أرسطو و الفارابي وغيرهم.اهتم التيار الفلسفي الجديد بالبحث عن المراتب الجديدة للفلسفة، وعن إمكانية عودتها إلى حياتنا الراهنة بثوبها السقراطي، وجاء موقفهم هذا كرد فعل قوي على الفلسفة النخبوية التي ظلت بعيدة عن حياة الناس، فراحوا يستدعون الراهن، ويبحثون في إكراهاته وعلاماته التي لا تنتهي.إن وقائع اليوم يجعلنا نستدعي أفكار نيتشه وأطروحته الوارد ة في كتابة (مقال في العلوم والفنون) الذي ناقش فيه جدلية مساهمة العلوم في فساد الأخلاق، وهذا السؤال تحديدا طرحته أكاديمية ديجون .رأت الدكتورة زتيلي أن هذه الجدلية لا تفهم إلا من خلال العودة إلى الأصول وإلى السياقات التاريخية المختلقة، كما دعت إلى العودة إلى أفكار العالمين سقراط وأفلاطون، اللذان راحا يعلمان الناس دروس في الفضيلة والمعرفة وروح التفلسف، كما كان هناك الاعتماد على الحوار من أجل الوصول إلى المعرفة، وهذا ما أصبح يعرف لاحقا بالمنهج السقراطي في المجادلة وتنظيم الأفكار. مارس سقراط ما يمكن تسميته بالفلسفة الشعبية وهي الفلسفة التي اهتمت بقضايا الناس ومعيشهم اليومي، فكانت مواضيعه هي التقوى والفضيلة والعلم، علما أنه لم يترك لنا نصا مكتوبا، وهو الذي ضل مؤمنا بأهمية منهج الحوار والجدل في التعليم أثناء مخالطة الناس، وكما كان يؤكد دوما بأن العلم في الصدور وليس في السطور. إن أفلاطون ورغم تأثره بأفكار سقراط إلا أن فلسفته كانت نخبوية بامتياز، حيث تعلقت أعماله بالذين حازوا على تعليم رصين، حيث لا يتعلمون الفلسفة والجدل وما تعلق بإنجازاته، إلا في المرحلة الأخيرة من تعليمهم، وذلك بعد اجتياز اختبار الرياضيات، الذي يبين قدرة المتعلم في اكتساب مهارة التجريد، وفي هذه النقطة تحديدا تلتقي الفلسفة بالرياضيات وهذه القدرة غير موجودة لدى كافة الناس حسب أفلاطون.وتضيف الدكتورة أن ما ورد في كتاب الجمهورية يسعى إلى تربية الفيلسوف الحاكم الذي يكون في قمة هرم الدولة، وأقرت أن هذا الكتاب هو الذي فتح لأفلاطون مرحلة جديدة في الحياة الفكرية، حيث تبلور من خلاله التعليم الأكاديمي، وخاصة بعد إنشاء الأكاديمية في ساحة أكاديموس اليونانية، أين راحت تدرس فيه أفكاره، وهكذا جسدت نصوصه مرحلة جديدة من مراحل النضج الفكري. يتضح لنا من خلال هذا التتبع أن هناك اتجاهين مهمين في الفلسفة، فالاتجاه الأول مثله سقراط الذي راح يميل إلى الفلسفة الشعبية، بينما الثاني يتجسد في أفلاطون الذي كانت دراسته دراسة أكاديمية، ومن هنا شق التفلسف طريقه إلى الأكاديميات والجامعات وكذلك نحو الشوارع والمقاهي والنوادي . لقد تطورت مختلف هذه الأفكار في أوروبا حسب زتيلي، وتحديدا في عصر النهضة الذي كان فضاء للحوار والتنوير، لتنتقل فكرة الصالونات لاحقا إلى البلاد العربية، وهذه الفكرة حسبها لم تكن جديدة، كون أن الصالونات كانت موجودة في الأندلس، وفي الدولة العثمانية، وفي الدولة العباسية وفي المشرق، وقد نصادف اختلاف التسميات إلا أن الهدف كان نفسه.وفي الألفية الثالثة نزلت الفلسفة إلى الفضاء العام، وتجاوزت النخبوية والسرديات الكبرى، حيث عالجت الفلسفة مواضيع مختلفة لصيقة بالراهن ،كالكرامة الإنسانية والمحبة والأخلاق وغلاء المعيشة، والأزمات الاقتصادية، وهكذا فتحت الفلسفة باب النقاش أمام الطبيب والفسليوف والأستاذ والمحامي وكذلك أمام ذلك البسيط، كون أن المسائل المطروحة اليوم كلها نابعة من صميم الحياة الإنسانية، وهو ما دعت إلى تجسيده في الواقع الجزائري.وفي الأخير قالت الدكتورة أن الفلسفة تبقى مرافقة للإنسان وأن الفلسفة التي تبتعد عن الإنسان فهي فلسفة البهرج كما وصفتها، ثم استمعت إلى تعليقات وإضافات وأسئلة أجابت عنها بأريحية تامة وبطريقة مبسطة جعلت الفلسفة موضوعا قابلا للفهم بالنسبة للمستمعين، الذين كانوا لأغلبهم من خارج الفلسفة ولكن أثبتوا من خلال أسئلتهم وطروحاتهم وإجابات الدكتورة أن التفلسف حق لكل إنسان، لأنه فن الحياة، ولذلك لابد من استعادة اللحظة السقراطية، وقد كانت هذه الجلسة فعلا لحظة سقراطية أرادها المنتدى الثقافي بداية لنقاشات أخرى لتأكيد موضع الفلسفة في الواقع الجزائري كضرورة حياتية، وكيف لا وهي التي دوما تنزل إلى الفضاء العام الذي أصبح مجالها الأساسي. انتهى هذا اللقاء، بشكر الدكتورة زتيلي القائمين على المنتدى الثقافي الجزائري وفي مقدمتهم الدكتورة آمنة بلعلى وعبد القادر فيدوح وعبد الله العشي وآخرين على تمكينها من إبداء وجهة نظر أستاذة ومناضلة في مجال الفضاء العام الذي قادتها إليه الفلسفة.