الرئيسية / جيل الخط المغربي

جيل الخط المغربي

31 جانفي 2015
هذا هو الخط الذي تعلّمناه وتدربنا على القراءة والكتابة به في طفولتنا ولم نكن نعرف غيره ولا نقرأ ولا نكتب إلا به. وقد رسخ في الأذهان واستقر في النفوس حتى أننا لم نكن نتصور خطا غيره نقرأ به كتاب الله. وكنا نرى أن الخطوط الأخرى وخاصة خطوط المصاحف المشرقية التي يأتي بها الحجاج هي تحريف سببه المطبعة وأن خطنا المغربي إنما ينسخ باليد.

كان الله أقرب إلى الناس وكان القرآن أكثر إنسانية يلونه الناس بألوانهم وينغمونه بأصواتهم ويفهمونه حسب ظروفهم. لم يكن نصا نزل من الأعلى أو جاء من المشرق بل نفسا يخرج من الأعماق ونورا يطلع من الصدور ممزوجا بألوان الحياة اليومية ويأخذا أشكالا عديدة في صميم الحياة الإنسانية: يقرأ في الخطبة ويقرأ في الوفاة ويقرا في الصباح وفي المساء لا يخيف ولا يرهب بل يمتع ويريح ويرافق الإنسان في رحلة الوجود الشاقة فيخفف آلامه ويزيد من عزيمته.

لم نكن نرى فروقا كبيرة بيننا وبين حياة الصحابة والخلفاء ولا بين حياتنا وبين حياة الأنبياء والرسل: كل القيم الكبرى كانت ماثلة في حياتنا اليومية: العمل والصدق والتضحية والمحبة والبذل. وتقضها كان مرفوضا رفضا نهائيا: السرقة والكذب والخداع والظلم والعدوان. فلم تكن هذه القيم منعدمة بل كانت مرفوضة.

كثير من الأصدقاء والمعلقين يذكرون تلك الأيام بشوق ويسمونها أيام زمان. والواقع أن هذا الذي يسمى أيام زمان هومنظومة كاملة من القيم والسلوكات والمنتجات والمواد والأهداف والوسائل التي كان يعتمدها الناس بشكل عادي في حياتهم وكانت ضرورية بمنظور ذلك الوقت. لكن التطور والحداثة والتنمية والسياسات العمومية وطموحات الناس أدت إلى تغيير كبير في كل شيء. وهو تطور نحو الحسن في مجمله. لكن في بعض الأحيان يؤدي التطور إلى فقدان المعنى.. في اليابان والصين ومن سار على دربهما(ماليزيا كوريا) يتم تبني الحداثة دون التخلي عما سبقها من خصال وخصائص أصيلة في تلك المجتمعات. لذلك استطاعت أن تحقق توعا من التوازن بين خصوصيتها والحداثة. فكانت حداثتها أصيلة متميزة. أما في منطقتي الشرق الأوسط وإفريقيا فقد كان تبني الحداثة مصحوبا بالانسلاخ عن كل ما هو قديم دون تمييز بين (الجوهري والعرضي) ولذلك وقع تعارض بين الحداثة والتراث. ومن هنا تلك الإشكالية التي أرقت الفلاسفة والمفكرين وصناع السياسيات : التراث والحداثة. وأخيرا ها هو ذلك النقاش يتحول إلى مشكلات سياسية وطائفية ويصبح ميدانا يشهر فيه السلاح وتزهق أرواح وتدمر بلدان بأكملها.

نحن جيل أدرك ذلك الزمن ولم نكن نتصور هذا الزمن الذي أدركنا. لكننا حاولنا أن نفهم العالم الجديد وأن نتهيأ له ونتسلح له بما يليق من علم وكفاءة وان نساير التقدم ونعد أبناءنا للعصر الجديد ولكن علينا أن لا نترك فرصة للحديث عما كان في زمننا لأن الجيل الجديد يظن انه لم يكن هناك شيء عند أجداهم وان هذا التزمت المستورد من بادية نجد هو الدين الصحيح وأن برنامج (آراب غت أيدول) مثلا… هو الثقافة الصحيحة وان الباقي فراغ…
هذا الفراغ الذي خلقته السياسة والحيل السلطوية هو الخطر الداهم: فراغ يملؤه احتقار الذات وكره الأجداد وعشق كل ما يأتي من بعيد…