الرئيسية / ترسيم الأمازيغية والمهمة التربوية

ترسيم الأمازيغية والمهمة التربوية

محمد ذارزقي فراد

محمد أرزقي فراد
31.01.2016
رغم بعض التحفظات التي قد يبديها البعض، فإن ترسيم الأمازيغية هو لحظة تاريخية لها دلالتها العميقة. ولا يختلف اثنان أن هذا المكسب هو نتاج نضال أجيال عديدة. وعلينا الآن أن ننظر إلى المستقبل، وأن نجعل العقل ينتصر على العاطفة لتفادي التسرع الذي لا يخدم المسألة الأمازيغية. ويبدو لي أن الأولوية على المدى القريب، يجب أن تنصب على العمل التربوي الهادف إلى إذابة الجليد بين الجزائريين وتراثهم الأمازيغي، والسعي لبناء جسور بينهم وبين موروثهم الثقافي والتاريخي، الذي عانى من الإقصاء لعقود طويلة، حتى صار التنكر للبعد الأمازيغي سمة بارزة في المجتمع. فالمسألة الأمازيغية أكبر من أن تحصر في إشكالية الكتابة فقط. وعلينا أن نعمل أوّلا على إنقاذ التراث الأمازيغي من الضياع بكل الأبجديات.
علينا أن نفكر في وضع سياسة لغوية في الجزائر تُبنى على أساس التكامل بين العربية والأمازيغية، لا على أساس المجابهة والصراع. ولعل أحسن طريقة لمساعدة الجزائريين على استرجاع “وعيهم الأمازيغي”، تتمثل في إعادة النظر في البرامج التعليمية، قصد تحقيق الانفتاح – أولا – على الثقافة الأمازيغية، دون رفع الحجم الساعي للدراسة، ويمكن تحقيق ذلك عن طريق استغلال جميع المواد المقرّرة، للتعريف بالثقافة الأمازيغية، كأن تدرج مثلا بعض نصوص الكُتّاب الذين تحدثوا عن هذه الثقافة، كمولود فرعون، ومولود معمري، ومالك
واري، وجان الموهوب عمروش، وفاظمة ناث منصور، وجوهر مهيس، وغيرهم، تُدرج في المواد المدروسة كاللغة الفرنسية، واللغة العربية، والانجليزية.
ويمكن أيضا إدراج بعض نصوص الكُتّاب الأجانب – الذين كتبوا عن الأمازيغية أثناء زيارتهم للجزائر في الماضي- ضمن برامج اللغات الأجنبية، أذكر منهم على سبيل المثال القنصل الأمريكي في الجزائر وليام شالر (1816- 1824)، والدكتور الانجليزي توماس شاي الذي زار الجزائر في القرن18م، والإسباني دييقو دى هايدو الذي زار الجزائر في القرن16م، والألماني فون هاينريش مالتسان الذي زار الجزائر في أواسط القرن 19م، وغيرهم.
ومن المحاور المعرفية التي ستساعد الجزائريين على الاستئناس بالتراث الأمازيغي، إدراج دراسة أسماء الأماكن ذات الصلة بالأمازيغية، في مادة التاريخ والجغرافية. فرغم تعريب الألسن، فلا زالت هناك مدن وقرى وحقول وبساتين وأشجار وثمار، تحمل أسماء أمازيغية في كلّ ولايات الوطن، ومن هذه الاسماء: تلمسان وتيموشنت، وتيغنيف، وأرزاو، ووهران، وغليزان، وتيارت، وتسمسيلت، وشرشال، وتامزقيدة، وأشير، وسيرتة، وسوق أهراس، وتاكسانة، وتمالوست، وأسوف، وتوقرت، وغيرها. ويكمن أيضا استغلال مادة التربية الدينية في تذليل الصعوبات، بإدراج الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، التي توضّح أن تعدد الألسن وتنوع الشعوب والقبائل من سنّة اهدي في خلقه.
أما قضية الكتابة، فلا يجب أن نعطي لها أكثر من حجمها. فصحيح أننا ورثنا وضعية لا نحسد عليها، تتمثل في كتابة اللغة الأمازيغية بأبجديات متعددة ( تيفيناغ/ العربية/اللاتينية)، لكن هذه المعضلة سيسند أمرها للأكاديمية التي ستنشأ للتكفل بالمسألة الأمازيغية. ومن الاقتراحات المناسبة في هذا المجال، إنشاء مخبر علمي لكلّ أبجدية( ثلاثة مخابر) تعطى لها إمكانات متساوية، على أن تجرى عملية التقييم والتقويم، بعد مدة زمنية معلومة. وعلى ضوء النتائج العلمية المتحصل عليها، يمكن الفصل النهائي في قضية إشكالية كتابة الأمازيغية.
علينا أن نضع في الحسبان تخوّف بعض الجزائريين من أن يؤدي قرار ترسيم الأمازيغية إلى انفجار صراع بين اللغتين العربية والأمازيغية، وعلينا أن نتعامل مع هذه الحالة بحكمة وتأنٍ لإزالة هذه المخاوف، كأن نبرز – مثلا- العلاقة التكاملية التي سادت بينهما في الماضي، وأن نظهر إسهامات علماء الأمازيغ في بناء صرح الحضارة العربية الإسلامية، وبأن الازدواجية اللغوية في ظل الوئام هي سمة المجتمع في شمال إفريقية منذ الزمن القديم، وعليه فترسيم الأمازيغية هو اعتراف سياسيّ بواقع اجتماعي معيش.