الرئيسية / الرئيسية / ترسيم الأمازيغية : الواقع و السراب ؟؟

ترسيم الأمازيغية : الواقع و السراب ؟؟

حميد بوحبيب-الجزائر

 

7 جانفي 2017

الدستور الجديد يحمل بشرى للأمازيغ في هذا البلد ـ و لكل أنصار التعددية الثقافية ، والهوية الأصيلة ـ إذ ينص صراحة على ترسيم هذه اللغة الموغلة في العراقة ، التي اجتازت محن القرون والأحقاب التاريخية ، دون أن تفقد بريقها وعنفوانها وقدرتها على التعبير عن رؤية أهلها إلى العالم والوجود .
ترسيم الأمازيغية سيجعل من الجزائر أول بلد عربي يكون له لغتان رسميتان ؟؟؟  هذا ليس هيّنا من وجهة نظر تاريخية … إنه يمثل بكل بساطة أول مسمار في نعش الأحادية اللغوية ، والقداسة التي حاول الساسة أن يلفوا بها مسألة اللغة [ ربط العربية بلغة الجنة ، ولغة القرآن …. كحجة لعدم قبول ضرة لها ] …
ترسيم الأمازيغية هو في نهاية الحساب ، عرفان بنضال أجيال كاملة من النشطاء والمثقفين والشعراء و لمغنين ,,, منذ ما عرف بألأزمة البربرية سنة 1949 ، مرورا بأزمة حرب الولايات سمة 1963 ، وصولا إلى الربيع الأمازيغي سنة 1980 ، ثم الربيع الأسود سنة 2001 … هذا الترسيم إذن ليس هدية من أحد ، خاصة إذا كان هذا الواحد يدعة بوتفليقة ؟؟؟ [ هو يريد أن يحفظ التاريخ اسمه كأول رئيس رسّم الأمازيغية ، ونحن سنتذكر دوما بأنه الرئيس الذي اغتال 121 شابا في مظاهرات سلمية من أجل هذه اللغة بالذات ؟؟؟؟]
نعم ليست هدية من أحد … إنه مجرد وضع للأمور في نصابها الصحيح الذي كان يجب ان تسير عليه منذ الاستقلال … ؟؟؟
ولكن …. ماذا يعني الترسيم بالضبط ؟ :
بالنسبة إليّ، لابد من إعطاء محتوى اجتماعي لهذا المصطلح. الترسيم يحيل إلى المؤسسة الرسمية. وبالتاللي فإن اللغة الأمازيغة يجب ان تغشى كل المؤسسات : القضاء، مجلس الشعب، مجلس ألأمة، المجلس الدستوري ، مجلس الوزراء، ديوان الرئاسة ….
بمعنى أن كل ما يحمل شعار الجمهورية يجب أن يتجسد ايضا بالأمازيغية إلى جانب العربية :
ـ الجريدة الرسمية ، الوثائق الرسمية [ جواز السفر ، بطاقة التعريف ….] ، القنصليات والسفارات …
ومن حق المتكلمين بهذه اللغة أن يطالبوا الرئيس وغيره من الوزراء والمسؤولين أن يخاطبوهم بلغتهم ، أو على ألقل أن يترجموا ما يقولونه إلى الأمازيغية ….
طيب ؟؟؟؟ و لكن الأمازيغية أمازيغيات …. فأي منها ستنال هذا الشرف [ الترسيم ] ؟
يبدو ان السلطة اختارت منهجا لذاك ، وهو ضرورة توحيد هذه اللغة ، لتصبح لغة واحدة، تذوب فيها التمايزات اللهجية والصوتية والنجوية …. إلخ
إن هذا التوحيد الذي سندفع إليه دفعا ، سيؤدي في نظري إلى اختلاق لغة فيها شيء من القبائلية وشيء من الشاوية ، و شيء من المزابية ، و الترقية … و لكن لا يفهما القبايلي و لا الترقي و لا الشاوي … سنحصل فيس نهاية المطاف على لغة مفبركة … تفقد أول ما تفقده هويتها باعتبارها اللغة الأم … سنحصل على ازدواجية لغوية : للحياة اليومية لهجاتها [ شاوية ، قبايلية، ترقية …] و للمدرسة والإعلام لغتهما [ أمازيغية ] ؟؟؟
هل هذا أمر سيئ ؟؟؟ لست ادري في الحقيقة …
ما أعرفه هو أن مسار التوحيد يجب ان يكون عقلانيا وبطيئا ، ليسمح لمستعملي اللهجات الأمازيغية المختلفة أن يستوعبوا فكرة التنميط و يسهموا في إثرائها ، بدلا من تسليم مقاليد اللغة إلى أخصائيين مزعومين ، يخرجون لنا بلغة من مخابرهم …
أيا كان الأمر، ترسيم الأمازيغية هو نقطة تاريخية مفصلية في العالم العربي، وهو درس في المواطنة والنضال السلمي… يجب أن نتذكر دوما أن النشطاء الذين ضحوا من أجل هذه اللحظة التاريخية كانوا دائما جمهوريين، مسالمين [ يساريين في الغالب]، ولم يستسلموا لإغراء الهوية والتعصب والانفصالية ، وها هم اليوم يكللون نضالاتهم بهذا الترسيم التاريخي .