الرئيسية / الرئيسية / بين غيابين: الواقع والأسطورة

بين غيابين: الواقع والأسطورة

عاشور فني

الواقع أكثر اسطورية من الأسطورة نفسها
نشر الصديق المبدع السعيد بوتاجين أقصوصة ساخرة عنكاتب فوجئ بجمهور غفير ينتظره في حفل تقديم كتابه الجديد فظن انه أصبح مشهورا جدا. لكن بعد تقديمه بدا الناس يتسللون خارج القاعة ولم يبق سوى رجل واحد جلس في مواجهته. وحين سأله لمذا لم تغادر أنت اجابه: انا الحارس وانتظر ان تخرج لعلق الباب.
لولا أنني سمعت القصة من صاحبها الذي وقعت له لقلت أنها اختلاق من خيال المبدعز لكنها في الحقيقة وقعت لصديق يكتب القصة وهو أستاذ بجامعة الجزائر. معروف بطيبته وبمرحه يرويها دائما وهو في غاية السعادة.
ماذا لو التفت الكتاب والشعراء والفنانون إلى حياتهم اليومية وأنصتوا لما يجري في محيطهم المباشر بدلا من إنهاك خيالهم في البحث عن أجواء باريسية أو بيروتية؟ الإبداع يبدا من عمق الحياة والواقع أكثر جمالية من اي نص لا يصدر من تجربة إنسانية عميقة.
المبدع السعيد بوتاجين حور النص نهائيا وألبسه ثوبا غير كل ملامحه وتلك هي طاقته الإبداعية الرهيبة التي يوظفها بكفاءة عالية. وايلوبه الساخر جعل من الأقصوصة مناسبة لإثارة قضايا مهمة مثل مكانة الثقافة في المجتمع وهيمنة القيم التجارية وانقلاب سلم القيم برمته.
تحية للصديق المبدع السعيد بوتجين ولكل المبدعين الذين يقتنصون لحظات من الحياة يجعلونها معبرة عن عمق التجربة الإنسانية وقادرة على كشف ملابسات الواقع الإنساني ونقده وتجديد النظر إليه من زوايا متعددة تنيره في كل تجلياته.
تحية للمبدع الذي يضيء جوانب الحياة.

هذا هو النص كما نشره المبدع السعيد بو تاجين:

استضافته بلدة بني مصران ليقدم كتابه الجديد فضجت القاعة بالزغاريد. لم يفهم، وقال في سره: يا للتحول الخرافي، أصبح للعقل أنصار. ثم صعد المنشط وقال: نقدم لكم مفكرنا ومفخرتنا. ارتبك المفكر، أخرج أوراقا متلعثمة وشرح. بعد الجملة الأولى خرج نصف القاعة، وفي الثانية ثلاثة أرباع، وفي الثالثة بقي مستمع واحد. فسأله العالم: لماذا لم تخرج؟ فأجابه الأحدب: أنا الحارس. أنتظر خروجك لأغلق القاعة. كانوا يظنونك مطربا فجاءوا ليرقصوا، لكنك خذلتهم. لماذا لا تبحث لك عن مهنة شريفة؟