الرئيسية / الشعر لدى البيروقراطية الثقافية في الجزائر

الشعر لدى البيروقراطية الثقافية في الجزائر

من “العكاظية” إلى “الكلاسيكية” فمتى “شعر النهضة” إن شاء الله؟
السبت 7 فبراير 2015
دعاني الصديق أحمد الدلباني منذ مدة هاتفيا إلى حضور ملتقى دولي للشعر ببسكرة. ولمعرفتي بالصديق وثقتي في رؤيته للشعر قبلت الدعوة مبدئيا تاركا التفاصيل للوقت المناسب. ومنذ يومين اتصل بي الصديق شرف الدين شكري هاتفيا طالبا تأكيد الحضور. ولأنني لم أحصل بعد على الدعوة المكتوبة لأسباب تقنية فلم أطلع على محاور المهرجان ولا على الديباجة التي ترافقه عادة. وأكثر من ذلك لم أطلع على تسمية المهرجان الرسمية حتى الآن.
وقدا فاجأتنا الصحافة هذه الأيام بتصريح لمدير الثقافة ببسكرة – الذي تبين أنه هو محافظ المهرجان في نفس الوقت- يدعو فيه (الفاعلين المحليين من رجال المال والمثقفين) إلى حضور المهرجان الدولي للشعر العربي الكلاسيكي ببسكرة. تلك هي تسميته الرسمية إذن.
1) مهرجا للشعر (الكلاسيكي) بالجزائر بعد خمسين سنة من الاستقلال؟ هل هذامعقول؟ لا أعتقد أن المسألة تتعلق بالتسمية بل هي رؤية للثقافة والشعر وللغة العربية. فتسمية “كلاسيكي” هنا هي مقابل تسمية “شعبي” باعتبار أن هناك مهرجانا للشعر الملحون. فهؤلاء الذين صمموا المهرجانات يصدرون عن رؤى خاصة بهم للغة العربية معتبرين إياها لغة كلاسيكية “كاللاتينية” وأن شعراءها هم شعراء “كلاسيك”. وعلى أساس هذه الرؤية وضعوا التسمية لمهرجان الشعر العربي في الجزائر. لم يكلفوا أنفسهم استشارة الشعراء والمثقفين بل وضعوها حسب رؤاهم. هل يجهلون “الرؤى” الثقافية المتداولة ؟ أم يجهلون أسماء المثقفين الذين يمكن أن يستشيروهم؟ لا أظن ذلك. بل هي اختيار واع ومقصود.
2) إن تسمية كلاسيكي تضع بين قوسين تجربة أجيال من المبدعين الحداثيين ومنهم من قضى خلال العشرية السوداء. تسمية تضع الطموح الحداثي كله خارج اهتمام المهرجان. لا أعتقد أنهم فعلا لا يفرقون بين الكلاسيكي والحداثي والتقليدي؟ في هذه الحالة لماذا لا تنظم الوزارة مهرجانا للشعر الجاهلي أيضا؟ ومهرجانا لشعر الانحطاط؟ فلكل هذه العصور تيارات وأتباع. إن هذه التسمية تسيء للتجربة الشعرية الجزائرية الغنية والمتنوعة وتضعها في موضع حرج إزاء التجارب العالميةولاعربية وتحرج المدعوين الذين هم في معظمهم من أنصار الحداثة ويجدون حرجا في حضور مهرجان يحمل هذه التسمية الغريبة. تسمية تدعو للسخرية بقدر ما تدعو للرثاء. لكن هؤلاء المسؤولين يتذرعون عادة بأنه لا حيلة لهم وقد صدرت في الجريدة الرسمية. سؤالي: لماذا كلفوا أنفسهم مشقة العمل في ميدان يجهلونه؟ يفعل الجاهل في نفسه ما لا يفعل العاقل في عدوه. بعد ورطة ” العكاظية” هاهم الشعراء أمام ورطة ال”كلاسيكية”. وقد حاولنا -وحاول غيرنا- خلال مرحلة “العكاظية” أن نجاريهم ونصلح الأمر دون أن نقف في وجههم لعلهم يفهمون خلال الدورات المتتالية لل”عكاظية” أنهم ارتكبوا خطأ فيصلحونه لكنهم تمسكوا بتسميتهم الجاهلية وراحوا ينفقون المال العام على مهرجان يعيد إحياء العصر الجاهلي في الشعر. ومن الغريب أن يقفزوا مرة واحدة إلى العصر الكلاسيكي. ولعل هؤلاء المسؤولين سيقترحون في المرة القادمة تسمية أخرى تعبر عن تقدمهم المتدرج على دروب التاريخ فيقترحون تسمية “شعر الانحطاط” ثم “شعر النهضة”(ما الفرق؟) وصولا إلى عهد الدايات والبايلربايات في الجزائر. متى يستطيع الشعراء في الجزائر أن يحظوا بمهرجان يليق بطموحهم؟ هل كان المسؤولون يتوقعون أن يسارع الشعراء” الكلاسيكيون” إلى منصة يعدها لهم البيروقراطيون برؤية أكثر تخلفا من شعر الانحطاط؟
3) دعوة مدير الثقافة للفاعلين المحليين وخاصة ل”رجال المال والمثقفين” للحضور ودعم المهرجان وضع الإبداع -رسميا-تحت سلطة المال الفاسد. هكذا إذن فالدعوة موجهة أساسا لرجال المال بصفتهم فاعلين أساسيين أما المثقفون فهم فاعلون ثانويون- لملء القاعة ولجعل المناقشات “كلاسيكية” ربما. أما الشعراء فلم يرد ذكرهم في كلام السيد المدير محافظ الشعر الكلاسيكي. والواقع أننا لم نقرأ حتى الآن ما يفيد أن هناط مهرجانا “دوليا” سينظم في غضون أيام معدودات.ربما يعتقد المنظمونأنه يكفي أن يصفروا للشعراء موظف ليحضروا سراعا تلبية للواجب المقدس. لم يعد المثقفون هم الفاعلون الرئيسيون بل رجال المال هم الأولى بالرعاية والعناية. أما الشعراء فلم (يقل عنهم البراح شيئا).
4) كنا نظن أن ميزانية الدولة المخصصة للشعر- ولو في زمن التقشف- ستمكن الشعراء والمبدعين من التحرر من ذل السؤال فإذا بالمدير المحافظ يمد يده للمال الفاسد يستنجد به. هل عجزت الوزارة عن تمويل المهرجان وهو في دورته الأولى؟
5) أعرف أن هناك كثيرا من مروجي الرؤية السياحية والتسويقية للشعر والثقافة. لكنني من مؤيدي الرؤية الإستراتيجية للثقافة والشعر خصوصا في زمن أصبحت فيه الثقافة والشعر موجها للرؤى ومولدا للصور. صورتنا في العالم وصورة العالم في وعينا إن المسائل الثقافية اخطر شانا من أن تترك بين أيدي البيروقراطيين يفعلون بها ما يشاؤون ولا يرون فيها إلة مسالة صرف الميزانية وتحصيل الفاتورات..
6) وفي الختام اعتذر للصديقين أحمد الدلباني وشرف الدين شكري اللذين وعدتهما بالحضور وكان ذلك حلمي حقا . وأعتذر لكل مثقفي بسكرة وشعرائها فبسكرة الحاضرة الثقافية حاضنة الإبداع وحافظة جذوة الشعر تستحق أفضل من هذا .وفي ما يخصني شخصيا فلبسكرة مكانة خاصة في نفسي. في بسكرة استلمت جائزة الشعر الأولى سنة 1984 من يد المثقف الكبير المرحوم محمد سعيدي وبحضور كثير من الزملاء والأصدقاء والشعراء منهم عثمان لوصيف وميلود خيزار ومحمد حسونات وعلي مغازي والمرحوم عبد الله بوخالفة ومنهم الشاعر العربي الكبير عز الدين المناصرة والمرحوم الجيلي عبد الرحمن والمرحوم محمد حسين الأعرجي والمرحوم الشيخ زهير الزاهري. فلهم جميعا ذكرى قيمة لا يمكنني أن أتجاوزها – وأتنكر لنفسي- وأحضر مهرجانا للشعر ال”كلاسيكي”.