الرئيسية / المواطن السيد باني الدولة القوية

المواطن السيد باني الدولة القوية

الثلاثاء 5 مارس 2013

اكتفت دولة الاستقلال باحتكار السيادة وممارستها على الإقليم من خلال مؤسسات السيادة. وشيئا فشيئا انتقلت هذه السيادة إلى المؤسسات على حساب المواطن. صار المواطن موضوع السيادة. ذلك هو مكمن الخلل. المواطن ليس موضوعا للدولة بل هو باني الدولة. المواطن هو صاحب السيادة وليست المؤسسات. يتعين ان تترجم المؤسسات سيادة المواطن. لا دولة قوية إذا كان المواطن ذليلا.
السيادة في الأساس ملك للمواطن لكنها أصبحت ملكا للمؤسسات. كيف حدث ذلك؟
تمت العملية بشكل تدريجي وعلى مر الزمان حلت عادة ممارسة السيادة من قبل المؤسسات محل سيادة المواطن. فتعبير مؤسسات السيادة يتناقض مع المبدأ الأساسي للدولة الديمقراطية وهو سيادة المواطن. مؤسسات السيادة “تعبير” عن حقيقة جديدة غير دستورية: وجود كيلان يمارس السيادة في الدولة بديلا عن صاحب السيادة الحقيقي وهو المواطن. وقد حدث ذلك عبر عدة خطوات هي:
• في الخطوة الأولى نص الدستور على أن السيادة “ملك” للشعب. وبهذه العبارة الدستورية تم تحويل السيادة غلى شيء يتملكز ثم أسند هذا التملك لا إلى شخص محدد “السلطان او العائلة” الملكية. بت تم إسنادها إلى شيء مجرد اسمه الشعب. هذا الوضع اخطر مما لو أسندت “ملكية” السيادة لشخص محدد. لماذا؟ لنه يمكن الثورة على شخص وانتزاع السيادة منه ولكن كيف يمكن الثورة على شيء مجرد اسمه الشعب. الشعب لا يعني مجموع المواطنين. الشعب كيان مجرد مختلف عن مجموع المواطنين ذوي الحقوق المحددة في الدستور. حقوق الشعب غير محددة في أية مادة.
• الخطوة الثانية هي النص على أن “الشعب” –أي ذلك المفهوم المجرد الذي اسند له الدستور “ملكية السيادة ” لا يمارس السيادة مباشرة بل عن طريق المؤسسات. هذه المؤسسات يتم تحصينها بالدستور ثم يتم الوصول إليها عبر طرق تحددها التشريعات. ويتم حماية هذه المؤسسات من “اعتداءات” المواطنين فتصبح أعلى شأنا من المواطن الذي كان في البداية صاحب السيادة. هكذا تحل المؤسسات الوسيطة التي يفترض أن يمارس بها “الشعب” سيادته محل الشعب الذي وضع أصلا بديلا عن المواطن. هكذا أصبحت سيادة مؤسسات الدولة بديلا لمبدأ سيادة الدولة وأصبحت ” سيادة الشعب” نقيضا لسيادة المواطن.
• الخطوة الثالثة بقرطة المواطن بدلا من أنسنة الدولة .ما يسمى “بالبيروقراطية” ليس انحرافا عن تنظيم سليم آخر بل هذه البيروقراطية التي تلازم الدولة هي وسيلة لتجريد المواطن من سيادته ووضعه في خدمة المؤسسات التي أصبحت تمثل الدولة وتمارس السيدة بدلا عنها. لقد تم بالتدريج نسيان أن المواطن هو باني الدولة. ليست الدولة هي من يشكل المواطن بل المواطن هو باني الدولة. وبدلا من أنسنة مؤسسة الدولة لتصبح وجها للمواطن صاحب السيادة تمت بقرطة هذا المواطن وتحويله إلى مجرد كيان بيروقراطي يرد في إحصائيات الدولة. هكذا أصبح المواطن موردا تستعمله آلة الدولة لتزيد من طاقتها البيروقراطية. وأصبحت المواطنة شكليات ورقية وإدارية تبرز بها الدولة نجاعتها في التحكم في هذا الكائن الذي يفترض فيه أنه باني الدولة ومؤسسها وصاحب السيادة فيها. المسار الخطير إذن هو تجريد المواطن من إنسانيته وتحويله إلى وقود لبيروقراطية الدولة.

ضعف الدولة: ضعف المواطن
هكذا يتجلى مكمن ضعف الدولة: ضعف المواطن. المواطن هو باني الدولة لا العكس. فإذا ضعف المواطن إلى الحد الذي يصبح فيه كائنا بيروقراطيا لا هوية سياسية له فكيف تكون الدولة قوية. إن الدولة القوية رهينة بوجود المواطن السيد القادر على ممارسة سيادته بكل أشكالها وفي كل أبعادها. وضعت الدولة في مقابل المواطن والصحيح أن يكون المواطن هو صحاب الدولة: سيد مطلق. المؤسسات كلها تحت تصرفه لممارسة سيادته. اما الوضع القائم فهو ان المواطن يظهر من خلال رؤية بيروقراطية لمؤسسات تزعم انها تمثل سيادة الدولة. من اعطاها ذلك الحق. الدستور ينص على سيادة الشعب لا سيادة المؤسسات. يترتب عن ذلك ضرورة إعادة النظر في كل الهرمية المؤسساتية القائمة من اجل تأسيسها على رؤية إنسانية لسيادة الدولة: أنسنة المؤسسات بدلا من بقرطة المواطن وسيادة المواطن بدلا من سيادة المؤسسات. تلك هي الدولة الديمقراطيةز

علاقة غير متوازنة بين “المؤسسة” والمواطن
مع طول ممارسة المؤسسات للسيادة بدلا من المواطنين ونيابة عنهم ثم عليهم نشأت علاقة غير متوازنة بين “المؤسسة” والمواطن. علاقة تتمثل في ضعف مركز المواطن في الحياة السياسية. يتجلى ضعف مركز المواطن في عدم قدرته على متابعة المؤسسات التي يفترض أنه يمارس سيادته بواسطتها. بل إن الأغلبية الغالبية من المواطنين لا يفهمون أو لا يهتمون أصلا بكيفية سير هذه المؤسسات. من هنا تصبح المؤسسات تسير أو تسيّر بشكل مستقل عن إرادة المواطن الذي يفترض أنه صاحب السيادة. وفي مرحلة تالية تصبح هذه المؤسسات تمارس سيادتها على المواطن من قبل فئة البيروقراطيين الذي يفترض أن يكونوا في خدمة المؤسسة التي يمارس المواطن من خلالها سيادته. لقد أصبحت “مؤسسات السيادة” تسير بشكل مستقل عن المواطنين المنتخبين الذين يفترض أنهم ينوبون المواطن في إدارة الشؤون العامة. فما بالك بالمواطن الناخب؟ لقد أصبحت السيادة لعبة إدارية وقانونية سحبت من المواطن وأسندت لغير أهلها وأصبح من الممكن التلاعب بها. ذلك هو جوهر ضعف الدولة: عبودية المواطن لمؤسسات السيادة. هل يمكن ان يصبح المواطن هو صاحب السيادة؟ ذلك هو الأصل في الحكم الديمقراطي.