الرئيسية / “السنتورة”

“السنتورة”

عبد الكريم ينينة

كريمو

كلمة “la ceinture” أي الحزام درجناها فأصبحت “سنتورةً”، بتاء مربوطة كالحزام نفسه، وجُزئرتْ مثلما جُزئرَ كثير مما في القاموس الفرنسي، فالجزائري لم يكتف بأخذ غنيمة الحرب، بل راح يتلاعب بها أيضا. للحزام في جميع المجتمعات وظيفة واحدة، إلا عندنا، فإنه يتجاوزها إلى العلاقة بحياة الفرد ومعاشه، وبشخصيته ورجولته كذلك، يقول المثل الشعبي عن الكادح إنه “خدّام حزام”، ويقولون عن الشخص الذي قرر أن يتصدى لأذى أو تجاوزات غيره من الخصوم أنه “تحزملهم”، وللفنان المغترب “صالح سعداوي” أغنية شهيرة مطلعها “يمّا حزميلي سروالي، شحال صعيبة الرجلية” يتهكم فيها على الذي يدعي امتلاك مواصفات الرجل الحقيقي وهو لا يملكها. سروال الجزائري قديما لا يخلو من الحزام، فلا سروال دون حزام جلدي أو من قماش، ذلك في عرف أجدادنا وآبائنا، سواء كان السروال تقليديا عروبيا، أو عصريا أوربيا. في حينا الشعبي يلقنون أبناءهم الصغار أن الحزام من الأشياء المقدسة، ولا يجوز للغرباء لمسه، هكذا حتى يحسسوهم بخطورته، وضرورة الحفاظ عليه بالحالة التي تضعها الأمهات، ليجنبوهم التعرض للاعتداءات الجنسية، لقد دخل الحزام ضمن أعمق نقطة في وعي الجزائري المتعلقة بالشرف، لهذا فقد كان صعبا عليه تقبل قانون يجبره على وضع حزام الأمن في بداية تطبيقه، لأنه بكل بساطة يرفض فكرة تدخل الغير، من قريب أو بعيد في ما تعلق بالحزام، مهما كان شكله. وكان من الطبيعي أن تلجأ الحكومة للحزام أيضا، للتدليل على خطورة وضعنا، ليس بمعنى “شدو أحزمتكم” الذي يتعلق بحالات الإقلاع أو الطيران، إذ لسنا بصدد ذلك، فنحن لم نبرح مكاننا منذ 1962، ولكن بالمعنى الآخر الذي نوشك من خلاله أن تعرينا الأزمة وتكشف عن عوراتنا الكثيرة أمام الأمم، لقد أخطأ السيد رئيس الحكومة في قوله “زيرو السنتورة”، لأن الشعب لم يرخها منذ عام 1830، كان عليه أن يقترح إضافة ثقب آخر، فقط، وبه سيتغير شكل “النوميدي الجديد” الذي سوف يقتات على CO² في “العصر السنتوري الثاني” فيصير أشبه بالساعة الرملية، أوليست غاية الحكومات أن تصير شعوبها مضبوطة كالساعة؟!.