الرئيسية / الرئيسية / أخلاق المنتصرين وأخلاق المنهزمين

أخلاق المنتصرين وأخلاق المنهزمين

عاشور فني

 

 

 

في حديث مع المرحوم البشير بومعزة ورد عرضا ذكر التعويض عن فترة الاحتلال واستغلال الموارد والثروات والاعتداء على حقوق شعب بكامله واختلال وطن وقهر الشعب وإذلال الأمة …. طرح سؤال كنا نراه وجيها: لماذا لم تنص اتفاقيات إيفيان على أي شيء من ذلك؟ لماذا تنازل المفاوض الجزائري على كل هذه المعاني وهو يوقع على الاتفاقية التي لم تضمن شيئا من ذلك بل ضمنت –على عكس ما يظن البعض- إعفاء الجلادين من المتابعة؟
كنا نتوقع أن ينتفض المناضل المجاهد البشير بومعزة متأثرا بمثل هذا الطرح ليقول ان الاتفاقية كانت ناقصة أو أنها كانت ضرورية لوقف الحرب أو كانت مدخلا لوضع أسس دولة ذات سيادة ستتكفل ببقية المطالب.. لكن المجاهد المحنك فاجانا بشيء مختلف تماما:
قال البشير بومعزة ما معناه :أن اتفاقيات إيفيان تحمل شيمة المنتصر الذي يحترم خصمه ولا يمعن في إذلاله. ذلك من شيم النبل التي تميز الشعب الجزائري المنتصر. إن روح الانتصار تلك فرضت على المفاوض الجزائري أن يعتني بالأمور الأساسية ويترك التفاصيل للتاريخ يسويها حسب الظروف وبنوع من السماحة. فالأساس هو سيادة الشعب الجزائري واستقلاله. وذلك ما ضمنته الاتفاقية، أما الباقي فتفاصيل.

البشير بومعزة


بعد خمس وخمسين سنة من الاستقلال نجد أن روح المنتصر قد اختفت عند بعض المسؤولين في الدولة الجزائرية وان التفاصيل حلت لديهم محل الأساسيات والمزايدات حلت محل المبادئ بل لعل المناورة أصبحت هي الإستراتيجية الوحيدة الممكنة لديهم. إليكم بعض المؤشرات:
• أن الذين كان يتشددون في المطالبة باعتذار فرنسا عن الماضي لم يظهروا أي نوع من الحرص على سيادة الدولة في الحاضر ولا على مستقبل السيادة الوطنية والأحداث الجارية تكشف مواطن الضعف ومواطن التفريط؛
• أن الذين يتشددون في المطالبة بالاعتذار لا يمثلون روح الانتصار الذي جعل من الشعب الجزائري مثلا للشعوب المكافحة ومن الثورة الجزائرية قدوة للثائرين من اجل هدف نبيل؛ بل هم أقرب إلى تمثيل روح الهزيمة لدى الفئات التي رحلت مع فرنسا ولو أنهم لم يملكوا شجاعة أولئك الذين اختاروا صف المنهزمين؛
• أن المتشددين في المطالبة بالاعتذار عن الماضي كانوا دائما – ومازالوا – يحملون في اليد الأخرى معاهدة الصداقة الأبدية مع فرنسا وهي لا تريدها-فالمحبة ليست بالسيف كما يقول المثل – وما كان التشدد في المطالبة بالاعتذار عن الماضي إلا مدخلا لبيع المستقبل بثمن بخس.
رد بعض الفرنسيين الرعاع أولى بهؤلاء المنهزمين من أخلاق المنتصرين الذي ذكرهم سي البشير في حديثه. رحمك الله يا سي البشير و ورحم الشهداء والمجاهدين الأجلاء. أحي تلك الروح العالية التي كانت تميز أحاديث  ذلك المجاهد الفذ كلما سمعت أو قرات ما يشير إلى حسابات تاريخية مع المحتل. القضايا التاريخية ليست حسابات بقالين ولا حسابات تجار السياسة.