الرئيسية / المقام / الاختيار بين الدولة الأمنية ودولة الفساد ليس قدرا

الاختيار بين الدولة الأمنية ودولة الفساد ليس قدرا

عاشور فني

عاشور فني

والآن ها هو الفساد يقيم دولته ويرفع شعار الدولة المدنية. هكذا يتقدم الفساد خطوة في السلطة ليقترح على الناس صفقة مفادها: اقبلوا بي حاكما وسأخلصكم من الدولة الأمنية سليلة الدولة العسكرية. هذا مطلب كل الحراك الاجتماعي والسياسي في المنطقة من نهاية العان 2010. تأخرت الجزائر عن الركب لأن الجزائر كانت تعرف تحولا لم يكتمل مساره بعد: التحول من دولة العسكر إلى الدولة الأمنية التي يتم فيها الفرز على أساس درجة الفساد. كان التعفن في بداياته. الآن وقد اكتمل الفرز وأصبح التمايز واضحا ضمن الأجهزة وأخرجت المؤسسة العسكرية من خندقها الجمهوري إلى خندق الحكم فقد أصبح ممكنا طرح المسألة بوضوح أكبر: التخلص من الدولة الأمنية دون المساس بالمؤسسة العسكرية.

لكن الواقع هو أن الحكم الفاسد الذي حاول التلاعب بملف الإصلاحات استهلك كل أوراقه ولم يبق له إلا محاولة الهروب إلى الأمام مرة أخرى. اتهام جزء من المؤسسة بالفساد بل اتهام الشخص القوي ليتخلص من فكرة الإصلاح الضروري ويركب موجة المطالبة بالدولة المدنية. هذا هو سلاح الفساد الفتاك. الفكرة النبيلة عنوانا لمستقبل فاسد. لم يكن هذا واضحا في 2011. الخيار بين الدولة الأمنية والفساد. لكنني لا أطمئن لكليهما. ببساطة لأن الدولة الفاسدة وليدة الدولة الأمنية. الفساد ضروري لتكوين ملفات لمن يدفع بهم لسدة الحكم.
المغالطة الضمنية هي انه لا يوجد خيار غيرهما: إما الفساد وإما الدولة الأمنية. أرى أن هناك خيارا مستقبليا ممكنا: تخليص المؤسسة العسكرية من نظام الفساد بما يسمح لها بالعودة إلى خندقها الطبيعي: خندق الجمهورية المدنية التي تعلو كل المؤسسات بما فيها المؤسسة العسكرية نفسها. هذا يتجاوز قدرات الفاسدين وطموحاتهم. لكن من يجرؤ على المطالبة بالدولة المدنية وقد اصبحت مطلبا للفاسدين؟
تلك هي المسألة.